الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

فائدة: [شبه علي # بخمسة من الأنبياء]

صفحة 181 - الجزء 1

  الشمس وأظلم الأفق فظنوه غروبها فأفطروا ثم طلعت الشمس كما في السنن⁣(⁣١) وغيرها. وقد يواريها الغيم مواراةً تغرب الشمس وهي كذلك فقد لا ينتبه لطلوعها بعد غروبها إلا الأقل، ويظن من لم يعلم القصة أنه حجبها غيم ثم ظهرت، وهذا أمر محسوس مشاهد يتفق لأهل البلد الواحد، وأما باعتبار البلدان المتفاوتة، والأقطار المتباعدة التي تحول الجبال دونها، والغيوم تقع على بعض فأمرها ظاهر في عدم اشتهار القصة عند أهل الأرض جميعا، والله أعلم.

  ثم إنه بعد ظهور أمره ظهرت معجزاته، وكثرت آياته وبركاته، فلم يكن الأمر من الخوارق مستغربًا، وصارت عند الصحابة أمرًا مأنوسا، فلا يستغرب عدم توفر النَّقَلَة لأفراد المعجزات.

  وبالجملة فَبَعْدَ قول الحافظ⁣(⁣٢): رجاله ثقات؛ فالتشكيكُ فِيهِ تَخَيَّلُ لا يُسْمَعُ، وتمحل لا ينفع؛ ولو سُمِعَ مِثْلُ ذلك لاخْتَلَتْ معجزات وجُحِدَتْ آيات بينات، ورأيتُ في بعض المجاميع - غاب عني عند كتب هذه الكلماتِ اسْمُهُ - أن بعض القُصَّاصِ⁣(⁣٣) في بغداد أَخَذَ في نشر هذه المعجزة النبوية، والفضيلة العلوية، والأفق صاح، والشمسُ بارزةٌ، فطلعَ غَيْمُ سَتَرَ الشمس؛ فخاف من تَفَرُّقِ الناس السامعين لِمَا يُمْلِيهِ فَأَنشد مُرْتَجِلًا:

  لا تَغْرُبي يا شَمْسُ حَتَّى يَنْقَضِي ... مَدْحِي لِآلِ المُصْطَفَى وَلِنَجْلِهِ

  واثْنِي عِنَانَكِ إِنْ أَرَدتُّ ثَنَاءَهُمْ ... أَنَسِيتِ إِذْ كَانَ الوُقُوفُ لِأَجْلِهِ؟

  إِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى وُقُوفُكِ فَلْيَكُنْ ... هَذَا الوُقُوفُ لِخَيْلِهِ وَلِرَجْلِهِ

  فانكشف الغيم، وظهرت الشمس، وأُلْقِيَ عليه من العطايا ما لا يُعَدُّ. وعَلَى ذِهْنِي أنه قال فيها الحافظ الذهبي: إنها حكاية صحيحة⁣(⁣٤)؛ فهي إذا من


(١) روى الدارقطني في سننه أنه في زمن النبي ÷ ٢/ ٢٤٠، والبيهقي في سننه ٤/ ٢١٧.

(٢) يقصد به القاضي عياض في الشفاء ١/ ٥٤٨.

(٣) أبو منصور المظفر بن أردشير المروزي العبادي. سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٢٣١، والمنتظم ١٠/ ١٥١.

(٤) ذكر هذه الحكاية في سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٢٣٢ بدون تصحيح أو تضعيف، وكفاية الطالب للكنجي ٣٨٧.