الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

فائدة: [شبه علي # بخمسة من الأنبياء]

صفحة 215 - الجزء 1

  قال الذهبي في حقه المحدث الحافظ الكبير إمام المحدثين⁣(⁣١). وقال الخليل بن عبد الله: هو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة انتهى.

  قلت: فأين يقع ابن الجوزي عند هذين الإمامين؟ وأين هو من طبقتها وحفظهما وإتقانهما؟ وهو الذي قال الحافظ الذهبي في حقه - نقلا عن المأموني: إن ابن الجوزي كان كثير الغلط فيما يصنفه، ثم قال الذهبي: قلت: له وهم كثير في مؤلفاته؛ يدخل عليه الداخل من العجلة والتحول من كتاب إلى آخر انتهى⁣(⁣٢). قلت: وسَمِعْتُ ما قال الحافظ العلائي⁣(⁣٣): إنه لا عِلَّةَ وإنما دعوى الوضع دفع بالصدر، وقد قال الذهبي في حق العلائي: إنه قرأ وأفاد وانتقى، ونظر في الرجال والعلل، وتقدم في هذا الشأن مع صحة الذهن، وسرعة الفهم انتهى⁣(⁣٤). هذا كلام الذهبي فيه وهو من معاصريه ومن أقرانه، وقد أثنى عليه غيره ممن تأخر عن عصره بأكثر من هذا؛ فظهر لك بطلان دعوى الوضع، وصحة القول بالصحة كما اختاره الحافظ السيوطي، وهو قول الحاكم، وابن جرير.

  نعم: ولعلك تقول كيف حقيقة هذا التركيب النبوي أعني قوله: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وعَلى بَابُهَا»؟ فأقول: الكلام فيه استعارة تخييلية وَمَكْنِيَّةٌ وترشيح؛ وذلك أنه شَبَّهَ العِلْمَ بمحسوس من الأموال يُحَارُ ويُحْرَزُ؛ لأن بين العلم والمال تقارن في الأذهان؛ ولذلك يُقْرَن بينهما كثيرًا مثل ما في كلام الوصي #: «العِلْمُ خَيْرٌ مِنَ المَالِ»، في كلامه المشهور الثابت لكميل بن زياد⁣(⁣٥)، وفي الحديث النبوي: «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْمٍ وطَالِبُ دُنْيَا»⁣(⁣٦)، فَشَبَّة العلم بالمال بجامع النفاسة في كل منهما، والحرص


(١) تذكرة الحفاظ ٣/ ١٠٣٩ رقم ٩٦٢.

(٢) تذكرة الحفاظ ٣/ ١٣٤٧ رقم ١٠٩٨.

(٣) خليل بن كيكلدي العلائي، ولد سنة ٦٩٤ هـ، محدث مكثر مشارك في الفقه وغيره، بلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة، وجمع فهرست مسموعاته في كتاب سماه الفوائد المجموعة في الفرائد المسموعة، وكتبه كثيرة. ينظر: الدرر الكامنة ٢/ ٩١.

(٤) ذيل تذكرة الحفاظ ٥/ ٣٦٠.

(٥) نهج البلاغة ص ٧١٢ رقم ١٤٧، وتاريخ بغداد ٦/ ٣٨٩.

(٦) الطبراني في الكبير ١٠/ ١٨٠، و ١١/ ٧٦، والأوسط ٢٠٦، وابن أبي شيبة ٥/ ٢٨٤ رقم ٢٦١١٨.