(ذكر ما خصه الله من فتح بابه إلى مسجده ÷ وسد ما عداه من الأبواب):
  موسى الرضا [الصحيفة ٤٥٥] عن علي # قال: قال رسول الله ÷: «يَا عَلِيُّ إِنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ تَدْخُلُهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ بَعْدِي»(١).
  قال المحب أيضًا: ومما خصه الله تعالى مِنْ إِقْدَارِهِ على قَلْعِ بَابِ خيبرَ الذِي عَجَزَ عن رده أربعون رجلًا. قلت: كما قال ابن أبي الحديد [القصائد العلويات ١٤٠]:
  يا قَالِعَ البابِ الَّذِي عن رَدُّهِ ... عَجَزَتْ أَكُفِّ أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعُ(٢)
  وقد تقدم ذلك. هذا وأما ما قيل(٣) في قوله ÷: «وعَلِيُّ بَابُهَا» إِنَّ عَلِيَّا هنا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ: أَي ومُرْتَفِعُ بابُهَا على مُتَنَاوِلِيْهِ، وعَالٍ عن أيدي مُتَعَاطِيْهِ - فكلام مِنْ جِنس كلام الباطنية لا تقبله الأسماع:
  أمَّا أَوَّلاً: فلأنه خلافُ ما فهمه الناس أجمعون من الحديث.
  وأما ثانيا: فلأنه ينافي ما ثبت من كونه ÷ بعث بالحنيفية السمحة السهلة؛ فإن علُومَهُ ÷ عُلُومٌ واضحة الألفاظ، ظاهرة الدلالات؛ فَهمها أهل الخضر والبوادي.
  وأما ثالثًا: فلأنه لا طائل تحت الإخبار بأن باب علومه ÷ عال مرتفع إلا تَبعِيدُ العلم، وتَوْعِيْرُ مسالِكِهِ، وسَدُّ بَابِهِ؛ وقد عُلِمَ أنه ÷ ما شَدَّدَ في ذلك، ولا كان من هديه توعير مسالك العلم سِيَّما العلوم النبوية(٤)، وكيف يُوَعرُ مسالك
(١) صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا ص ٤٥٥.
(٢) القصائد العلويات السبع ص ١٤٠.
(٣) هو قول الخوارج: قال أحمد بن محمد العاصمي في كتابه زين الفتى في تفسير هل أتى (خ): فذهبت الخوراج ومن قال بقولهم إلى أنه أراد بقوله: «وعلي بابها» الرفيع الباب من العلو، علي بمعنى العالي، الاسم العلم الذي كان المرتضى رضوان الله عليه مسمى به، يقال شيء عال وعلي، وباب عال وعلي، مثل سامع وسميع، وعالم وعليم، وقادر وقدير.
(٤) قال الفخر الرازي: ولا نزاع أن عَليًّا # كان في أصل الخِلْقَة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم، وكان محمد ÷ أفضل العلماء، وكان علي # في غاية الحرص في طلب العلم، وكان النبي ÷ في غاية الحرص في تربيته، وفي إرشاده إلى اكتساب الفضائل، ثم إن عَليًّا # من أول صغره في حجره ÷، وفي كبره صار خَتَنا له، وكان يدخل إليه في كل الأوقات؛ ومن المعلوم أن التلميذ إذا كان في غاية الذكاء والحرص على التعلم، وكان الأستاذ في غاية الحر على التعليم، ثم اتفق لهذا التلميذ أن اتصل بخدمته بمثل هذا الأستاذ من زمان الصغر، وكان ذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كل الأوقات؛ فإنه يبلغ التلميذ في العلم مبلغاً =