(ذكر أن جمعا من الصحابة لما سئلوا أحالوا في السؤال عليه)
  أنه لا بأس به، قال الذهبي: وأما تشيعه فَقُل ما شئت كان يكفر معاوية! انتهى. قلتُ: ظَهَرَ مِنْ كلام الذهبي أن التضعيف الذي أطلقه النسائي من قبل التشيع فلا قَدْحَ بِهِ؛ (وتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرُ عَنْكَ عَارُهَا)(١) على أنه لم يذكره في التذكرة [٢/ ٤٢٣ رقم ٤٢٨] بالتشيع، ولا فيما رأيناه مِنَ الْمُغْنِى وسيأتي لفظه.
  وأَمَّا قَدْحُ ابن نمير وابن حبان فَفُسِّرَ بالكذب إلا أَنا لم نَرَهُ في المغني، بل هكذا لفظ المغني: يحيى بن عبد الحميد الحماني: حافظ مُنْكَرُ الحديثِ، وقد وثقه ابن معين وغيره، وقال أحمد بن حنبل: يكذب جهارًا، وقال النسائي [١/ ٥٢٢]: ضعيف. هذا لفظه فما أدرى كيف نقل السيوطي؟ فَانْظُرِ التَّفَاوُتَ؛ فإنه نسب التكذيب إلى ابن نمير ولم يذكره في المغني كما ترى؛ بل الذي في التذكرة للذهبي: أن ابن نمير سئل عن يحيى بن عبد الحميد الحماني؟ فقال: ثقة، هو أكبر من هؤلاء كلهم فاكتبوا عنه [عمل القراءات] ... انتهى [التذكرة ٢/ ٤٢٣].
  فما نقله السيوطي عن المغني غير ما رأيناه فيه ثم إنه نسب التكذيب له إلى ابن حبان، والذي في المغني أن قائل ذلك أحمد! وأما نسبته إلى ابن نمير تَكْذِيْبَهُ فلا شَكٍّ أَنَّهُ وَهُمُ من الحافظ السيوطي؛ فإن هذا كلام التذكرة؛ أنَّه قال ابن نمير: إِنَّهُ ثقة، ولم يذكر عنه في المغني شيئًا لا توثيقا ولا جرحًا؛ فالمغني والتذكرة كلاهما للذهبي؛ فحينئذ لم يَبْقَ إلا قَدْحُ أحمد بن حنبل فقط! وقد عارضه توثيق يحيى بن معين، وابن نمير، ورَجُوَى بْنِ عَدِيٍّ، ولا رَيْبَ أَنَّ يحيى بن معين إِمَامُ هَذَا الشَّأْنِ، والمخصوص بِعِلْمِ الرجال، وقد قال فيه أحمدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَفْسُهُ: يحيى بْنُ مَعِينٍ أَعْلَمُنا بالرجال. ذكره الذهبي في التذكرة في ترجمة يحيى؛ فهذا كلام أحمد وتصريحه أن يحيى أَعْلَم منه بالرجال؛ والْأَعْلَمُ بِالشَّيْءِ حُجَّةٌ على مَنْ هو دُونَهُ؛ فإذا تعارض كلام أحمد ويحيى بأَنْ يَجْرَحَ أَحَدُهُمَا رجلًا يُزَكِّيهِ الآخَرُ؛ فَكَلَامُ يَحْيَى مُقَدَّم على كلام أحمد؛ لتصريح أحمدَ بأَنَّهُ بِهَذَا الفَنِّ أَعْلَمُ منه؛ فلا يُقَالُ: الجرْحُ مُقَدَّم على التعديل؛ لِأَنَّ الجَارِحَ قد
(١) صدره: وَغَيَّرَهَا الوَاشُونَ أَن أُحِبُّهَا.