(ذكر أن جمعا من الصحابة لما سئلوا أحالوا في السؤال عليه)
  قاضِيَّا: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وثَبَّتْ لِسَانَهُ»؛ قال: فما شَكَكْتُ بعدها في قضاء بَيْنَ اثْنَيْنِ، وهُوَ الذي قال في المنبر: صَارَ ثُمْنُهَا تُشعًا(١)، وهذه مسألة لو فكر فيها الفَرَضِيُّ فِكْرًا طويلًا لاستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب! فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ قَالَهُ بَدِيهَةً، واقْتَضَبَه ارتجالاً؟! ومن العلوم تَفْسِيرُ القرآن، وعنه أُخِذَ، ومِنْهُ تَفَرَّعَ، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك؛ لأن أكثره عنه(٢)، وعن عبد الله بن عباس؛ وقد عَلِمَ الناسُ حال عبد الله بن عباس في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وأنه تلميذه، وخِرِّيجه، وقد قيل لابن عباس: أينَ عِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ ابْنِ عَمِّكَ؟ فقال: كَنِسْبَةِ قَطْرَةٍ من المطر إلى البحر المحيط [شرح النهج ١/ ٣٥].
  ومن العلوم: علم الطريقة، والحقيقة، وأحوال التصوف، وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، وعنده يقفون، وقد صرح بذلك الشبلي(٣)، والجُنَيدُ(٤)، وسِرِّي السَّقْطِي(٥)، وأبو يزيد البسطامي(٦)، وأبو
(١) تسمى المسألة المنبرية؛ لأن ابن الكواء الخارجي سأله وهو على المنبر عن ابنتين، وأبوين، وزوجة، فأعطى الزوجة التسع؛ لأنها مسألة عول أصلها من (٢٤)، ثم عالت إلى (٢٧): للبنتين ١٦، وللأبوين ٨، وللزوجة ٣، فقال ابن الكواء: أين الثمن الذي أعطاه الله لها؟ فأجاب #: الحمد الله الذي حكم بالحق قطعا، إليه المآب وإليه الرجعي هذه مسألة صار ثمنها تُسُعًا، فاسأل تفقها لا تعنا يابن الجدعا. أراد أن السهام عالت حتى صار للمرأة التسع، ولها في الأصل الثمن، وذلك أن الفريضة لو لم تعل كانت من أربعة وعشرين، فلما عالت صارت من سبعة وعشرين: فللابنتين الثلثان: ستة عشر سهما، وللأبوين السدسان: ثمانية أسهم، وللمرأة ثلاثة من سبعة وعشرين: وهو التسع، وكان لها قبل العول ثلاثة من أربعة وعشرين وهو الثمن.
(٢) قال ابن أبي الحديد شرح النهج ١/ ٤٣ - ٤٤ بعد إسناد العلوم إليه في ذكر عبادته سلام الله عليه ما لفظه: وأما قراءة القرآن والاشتغال به فهو المنظور إليه في هذا الباب، اتفق الكل على أنه كان # يحفظ القرآن على عهد رسول الله ÷، ولم يكن غيره يحفظه، ثم هو أول مَنْ جَمَعَهُ.
(٣) دلف بن جحدر الشبلي، ولد سنة ٢٤٧، كان حاجب الموفق العباسي، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، له شعر جيد سلك به مسلك الصوفية، توفي سنة ٣٣٤. الأعلام ٢/ ٣٤١.
(٤) أبو القاسم الجنيد بن محمد البغدادي الخزار، واعظ زاهد مشهور، ت: ٢٩٧ هـ. الأعلام ٢/ ١٤١.
(٥) سري بن المفلس السقطي أبو الحسن، صوفي بغدادي، توفي سنة ٢٥٣ هـ. ينظر: الأعلام ٣/ ٨٢.
(٦) طيفور بن عيسى البسطامي أبو يزيد، زاهد مشهور، توفي سنة ٢٦١ هـ، الإعلام ٣/ ٢٣٥.