الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

(ذكر أن جمعا من الصحابة لما سئلوا أحالوا في السؤال عليه)

صفحة 242 - الجزء 1

  محفوظ مَعْرُوفٌ الكَرْخِيُّ⁣(⁣١) وغيرهم، ويكفيك دلالة على ذلك الخِرْقَةُ التي هي شعارهم إلى اليوم، وكَوْنُهُمْ يُسْمِدُونَهَا إِليه إسْنَادًا مُتَّصِلًا.

  ومن العلوم: عِلْمُ النَّحْوِ والعَرَبِيَّةِ، وقد عَلِمَ الناسُ كَافَّةً أنه الذي ابتدعه وأنشأه، وأملى على أبي الأَسْوَدِ أُصُولَهُ وجَوَامِعَهُ مِنْ جُمْلَتِهَا الكلامُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: «اسم، وفعل، وحَرْفٌ»، ومِنْ جُمْلَتِهَا تَفْسِيمُ الكَلِمَةِ إلى: «مَعْرِفَةِ، ونَكِرَة»، وتَقْسِيْمُ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ إلى: «الرَّفْعُ، والنَّصْبُ، والْجَرُّ، والْجَزْمُ»، وهذا يكادُ يَلْحَقُ بِالْمُعْجِزَاتِ؛ لأنَّ القوة البشرية لا تفي بهذا الخصر، ولا تَنْهَضُ بهذا الاستنباط! انتهى كلامه بلفظه⁣(⁣٢)، وتستمع زيادة في وضع النحو في شرح قوله:

  ٤٤ - مَنْ سِوَاهُ وَضَعَ النَّحْوَ وَقَدْ ... رَاعَهُ لَخَنْ بِمَنْ قَدْ حَارَ عِيا

  وإنما خَصَّصَ وَضْعَ النَّحْوِ بعد قوله: «كُلُّ عِلْمٍ ...» لِبَدَاعَةِ وَضْعِهِ، وغَرَابَةِ فنه، وأنه كما قال ابن أبي الحديد: يكاد يلحق بالمعجزات! ولِعُمُوم نَفْعِهِ، ورَصَانَةِ وَضْعِهِ ودِقَتِهِ.

  أخرج أبو القاسم الزجاجي⁣(⁣٣) في أماليه [٢٥٦] عن أبي الأسود الدؤلي قال: دخلتُ عَلَى عَلي بن أبي طالب فَرَأَيْتُهُ مُطْرِقًا مُفَكِّرًا؛ فقلتُ: فِيْمَ تُفَكِّر يا أمير المؤمنين؟ قال: إني سمعتُ بِبَلَدِكُمْ هذا لَحْنا؛ فأردتُ أَنْ أَضَعَ كِتَابًا في أصول العربية، فقلتُ: إِنْ فَعَلْتَ هذا أحييتنا، وبَقِيَتْ فينا هذه اللغةُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بعد ثلاث فَأَلْقَى إِلَيَّ صحيفة فيها: ، الكلام كله اسم، وفعل، وحرف: فالاسم ما أنبأ عن الْمُسَمَّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل؛ ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع


(١) معروف بن فيروز الكرخي أبو محفوظ، أحد أعلام الزهاد والمتصوفين، كان من موالي الإمام علي الرضا بن موسى، ولا بن الجوزي كتاب في أخباره، توفي سنة ٢٠٠ هـ. الأعلام ١٧/ ٢٦٩.

(٢) ينظر: شرح النهج ١/ ٣٥ - ٣٨، وينظر: المراتب لأبي القاسم البستي ١٥٣ - ٣٥٨.

(٣) يوسف بن عبدالله، ولد سنة ٣٥٢، أديب لغوي محدث، من كبار التابعين، شاعر فصيح، توفي سنة ٤١٥، مؤلفاته كثيرة منها: شرح الفصيح. الأعلام ٨/ ٢٤٠.