(ذكر أن جمعا من الصحابة لما سئلوا أحالوا في السؤال عليه)
  لك، واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة ظَاهِرُ، ومُضْمَرُ(١)، وشيءٌ ليس بظاهر ولا مضمر(٢)، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر. قال أبو الأسود: فَجَمَعْتُ منه أشياء وعرضتُها عليه فكان من ذلك: حروف النصب فذكرتُ منها: (إِنَّ، وأَنَّ، ولَيْتَ، ولَعَلَّ، وكَأَنَّ)، ولم أذكر: (لَكِنَّ)؛ فقال لي: لم تركتها؟ فقلتُ: لم أَحْسُبهَا، قال: بل هي منها فَزِدْهَا فيها.
  وأخرج البيهقي في الشُّعَب وابن عساكر عن صعصعة بن صوحان قال: جاء أَعْرَابِيٌّ إلى علي بن أبي طالب، فقال: يا أمير المؤمنين كيف تقرأ هذا الحرف: (لا يأكله إلا الخاطُونَ)؟ كُلَّ واللهِ يَخْطُو! فَتَبَسَّمَ عَلى وقال: {لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطِـُٔونَ ٣٧}، فقال: صَدَقْتَ يا أمير المؤمنين؛ ما كان اللهُ لِيُسْلِمَ عَبْدَهُ، ثم الْتَفَتَ علي # إلى أبي الأسود الدؤلي فقال: إِنَّ الأَعَاجِمَ قد دخلوا في الدِّينِ كَافَّةً؛ فَاصْنَعْ للناس شيئًا يَسْتَدِلُّونَ به على صلاح أَلْسِنَتِهِمْ؛ فَرَسَمَ لَه الرَّفْعَ، وَالنَّصْبَ، والْخَفْضَ. أخرجه ابن النجار(٣).
  واعْلَمْ أَنَّ استنباط هذا العِلْمِ العجيب الذي ضُبِطَتْ به قواعد اللغة، وحُفِظَتْ به قَوَانِيْنُهَا، وعُرِفَ به شَرَفُهَا وسِرُّهَا: إِنْ كان عن توقيف نَبَوِيٌّ فلا عَجَبَ ولا مَزِيَّةَ إِلا في خصوصية الوصي # بإيداعه ذلك، وإن كان عن فكر كما هو ظاهر الرواية فهو واللهِ فَخْرُ يَقْصُرُ عنه كُلُّ فَخْرِ، وَمَنْقَبَةٌ للوصي # تبقي على صفحات الدهر! ولا عجب؛ فَعَنْهُ انْفَجَرَ مِنَ العُلُومِ كُلُّ عُجَابٍ، وعلى أَثَرَةٍ منها اقتفى الأذكياء من أولي الألباب، سَلامُ اللهِ عَلَى رَسُولِهِ، وَعَلَيْهِ، وعَلَى عِتْرَتِهِ قُرنَاء الكتاب إلى يوم الحساب.
  ومِنْ هَاهُنَا ذَيَّلَ الأبيات المشروحة سيدي الوالد العلامة ضياء الدين جعله الله قرة لأعين المؤمنين، فقال:
(١) المضمر نحو: أنا، وأنت، والتاء، ونحوه.
(٢) كأسماء الإشارة.
(٣) شعب الأيمان للبيهقي ٢/ ٢٥٨ رقم ١٦٨٤ عن ابن النجار، وتاريخ دمشق ١٠/ ٢٤٤.