(ذكر أن جمعا من الصحابة لما سئلوا أحالوا في السؤال عليه)
  وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس أنه ÷ قال: «يا أبا بُرْدَةَ إِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا في علي بن أبي طالب، فقال: إِنَّهُ رَايَةُ الهُدَى، وَمَنَارُ الإِيمَانِ، وَإِمَامُ أَوْلِيَائِي، ونورُ جَميع مَنْ أَطَاعَنِي»(١). فهذه قَطْرَةٌ مِنْ أحاديث الباب، فِيهَا الدَّلَالَةُ على أنه # لا يُفَارِقُ الْحَقِّ، والحَقُّ لا يُفَارِقُهُ، وقد دعا له ÷ بذلك، ثم أخبر أنه مع القرآن، والقرآن معه؛ فَأَفَادَ أَنَّ اللهَ اسْتَجَابَ دعوته ÷ فيه #، وفيه دليل وَاضِح على عِصْمَتِهِ # أَوْضَحُ من أدلة عِصْمَةِ الأمة، وفيه دَلِيلُ أَيْضًا عَلَى حُجّيَّةِ قوله؛ لأنه لا يقول إلا الحقَّ، والحق هو ما أمر الله عباده باتباعه؛ فَدَلَّ على أَنَّ قَوْلَهُ يُتبع، وهي مسألة مشهورة، وفي كتب الأصول مَصْدُورَة؛ فلا نُطَوَّلُ بذكرها؛ وقد استحسن ÷ أحْكامَهُ # الصادرة عن اجتهاده، وأُعْجِبَ بها كما أسلفناه:
  ومن ذلك ما أخرجه أحمد، ومسلم وأبو داود والترمذي، وصححه عن علي #: أَنَّ أَمَةً لرسول الله ÷ زَنَتْ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَأَتَيْتُهَا فإذا هي حَدِيثَةُ عهد بنفاس؛ فَخَشِيْتُ إِنْ جَلَدْتُها أَنْ أَقْتُلَهَا؛ فذكرت ذلك للنبي ÷ فقال: «أَحْسَنْتَ! اتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ»(٢)، وثَبَتَ أنه حين بعثه في قصة بني جذيمة التي اتفقت من خالد بن الوليد، فَوَدَاهُمْ عَلي # بأمر رسول الله ÷، ثم أعطاهم بَقِيَّةٌ من المال الذي بعثه به الرسول الله ÷ احتياطا عنه ÷، فاسْتَحْسَنَهُ منه. قوله:
  ٤٦ - وَاخْتِصَاصُ اللهِ بِالزَّهْرَا لَهُ ... لِسِوَاهُ مِثْلِ هِ لَمْ يَتَهَيَّا
  الزهراء: هي المتلألئة من شدة إنارتها وإضاءتها، ومنه الحديث: «إِنَّ عَلِيًّا يَزْهُرُ في الجنة كَكَوْكَبِ الصُّبْحِ لأهلِ الدُّنْيا»، أخرجه البيهقي عن أنس(٣). والمراد بالزهراء هنا فاطمة البتول بنت خاتم الأنبياء عليه وعليها أفضل الصلاة والسلام: مَنْ ثبت عنه ÷ أَنَّهَا: «سَيَّدَةُ النِّسَاءِ فِي الجَنَّةِ إِلا مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ»، أخرجه مالك
(١) حلية الأولياء ١/ ١٠٧ رقم ٢٠٦، ٢٠٧، وتاريخ دمشق ٤٢/ ٣٣٠، وتاريخ بغداد ١٤/ ٩٨.
(٢) مسلم ٣/ ١٣٣٠ رقم ١٧٠٥، ومسند أحمد ١/ ٢٨٦ رقم، ١١٣٧، ١١٤٢، ورقم ١٣٤٠، والترمذي ٤/ ٣٧ رقم ١٤٤١، وأبو داود ٤/ ٦١٧ رقم ٤٤٧٣، والمستدرك ٤/ ٣٦٩، وأبو يعلى ١/ ٢٧٤ رقم ٣٢٦.
(٣) البيهقي في فضائل الصحابة كما في كنز العمال ١١/ ٦٠٤ رقم ٣٢٩١٧.