[ذكر ورعه #]
  أَوْثَقَ منه بما في يده! قُلْ لها تَبْعَثْ لي بالستة الدراهم؛ فَبَعَثَتْ بها إليه فدفعها إلى السائل، قال: فَمَا حَلَ عَلِيٌّ حَبْوَتَهُ حتى مَرَّ بِهِ رَجُلٌ معه جَمَل يبيعه، فقال علي # بكم الحمل؟ قال: بمائة وأربعين درهما، قال علي #: فَاعْقِلْهُ عَلَى أَنْ نُؤَخِّرَكَ بِثَمَنِهِ شيئًا، فَعَقَلَهُ الرجل ومَضَى، ثم أَقْبَلَ رجلٌ فقال: لِمَنْ هَذَا البَعيرُ؟ قال علي #: لي، قال: أَتَبِيعُه؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: بمائتي درهم، قال: قَدِ ابْتَغتُه فأخذ البعير وأعطاه المائتين؛ فأعطى الرجل الذي أراد أنْ يُؤَخِّرَهُ مائة وأربعين درهما، وجاءَ بستين درهما إلى فاطمة فقالت ما هذا؟! قال هذا ما وَعَدَنَا الله على لسان نبيه ÷: {مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ}[الأنعام: ١٦٠](١).
  ومِنَ الإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا: التَّوَاضُعُ؛ فقد كان إليه المنتهى في ذلك:
  روى يوسف بن يعقوب أَنَّ امْرَأَةً لَقِيَتْ عَلِيًّا # بالكوفة، ومعه تمر يحمله فَسَلَّمَتْ عليه، وقالت: أعطني يا أمير المؤمنين هذا التمر أَحْمِلْهُ عنك إلى بيتك! قال: أبو العيالِ أَحَقُّ بِحَمْلِهِ! قالت: ثُمَّ قال لي: أَلَا تَأْكُلِينَ منه؟ فقلتُ: لا أريده فانطلق به إلى منزله، ثم رجع مُرْتَدِيًا بتلك الشملة وفيها قُشُورُ التمر، فَصَلَّى بالناس فيها الجمعة! [شرح النهج ١/ ٤١٦].
  قلت: وهذا الباب لو تتبعناه لخرجنا عن الاختصار، وما بلغ ما نريده التطويل والإكثار؛ فَلْنَقْتَصِرْ على هذا، ثُمَّ لو فَتَشْنَا هذه القضايا عن النكت؛ لَأَسْفَرَتْ عما لا تَسَعُهُ الأسفارُ من نفايِسِ النُّكَتِ التي تستخرجها الأنظارُ، لَكِنْ هذه الأوراقُ بُنِيَتْ على الاختصار. قوله:
  ٥٤ - قَائِلًا أَنْتِ ثَلاثًا طَالِقٌ ... قَالِيًا وَشْيَا عَلَيْهَا وَحُلِيَّا
  قائلا: حَالُ من فاعل مَا ارْتَضَى الدُّنْيَا، وكذلك قاليا، ويصح أن يكون قاليا حالا من ضمير: قَائِلًا، وفيهما مِنَ الجنّاسِ ما لا يَخْفَى(٢). والبيتُ إشارة إلى ما
(١) جامع الأحاديث ١٥/ ٤٦٢ رقم ٦٦١١ عن العسكري وابن عساكر.
(٢) هكذا في نسخة بيت شرف الدين، وفي بقية النسخ: الجناس المقرون؛ والصواب الجناس المقلوب.