[ذكر ورعه #]
  ثبت عنه #، فيما أخرجه الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب [٣/ ٢٠٨]، وأخرجه أيضًا صاحب الصفوة [١/ ١٣٣]، عن ضرَارِ الصُّدَائِيُّ: أَنَّ مُعَاوِيَة قال له: صِفْ لي عَلِيًّا، قال: أَعْفِنِي يا أمير المؤمنين! قال: لَتَصِفَنَّهُ لِي، قَالَ: أَمَّا إِذَا لَابُدَّ مِنْ وَصْفِهِ فَكَانَ واللهِ بَعِيدَ المَدَى، شَدِيدَ القُوَى، يقولُ فَضْلًا، ويَحْكُمُ عَدْلًا، يَتَفَجَّرُ العِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وتَنْطِقُ الحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوِحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وزَهْرَتِهَا، ويأنسُ بِاللَّيْلِ ووحْشَتِهِ، وكانَ واللهِ غَزِيرَ العَبْرَةِ، طَوِيلَ الفِكْرَةِ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللَّبَاسِ مَا قَصُرَ، ومن الطَّعَامِ ما خَشُنَ، كان فينا كَأَحَدِنَا، يُجِيْبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ، ويُنبئُنَا إذا اسْتَنْبَأنَاهُ، ونَحْنُ واللهِ مَعَ تَقريبهِ إِيَّانَا، وَقُرْبِهِ مِنَّا لا نَكَادُ نُكَلِّمُهُ هَيْبَةٌ له، يُعَظْمُ أهلَ الدِّين، ويُقَرِّبُ الْمَسَاكِينَ، لَا يَطْمَعُ القَوِيُّ في بَاطِلِهِ، ولا يَيْئسُ الضَّعِيفُ من عَدْلِهِ، وأَشْهَدُ لقد رَأَيْتُهُ في بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقد أَرْخَى اللَّيْلِ سُدُولَهُ، وغَارَتْ نُجُومُهُ، قَابِضًا على لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ، ويَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِين، ويقول: يا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي، أَلِي تَعَرَّضْتِ، أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ هيهات هيهات قد باينتك ثَلَاثَّا لا رَجْعَةَ فيها؛ فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ، وَخَطَرُكِ حَقِيرٌ، أَوِ آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وبُعْدِ السَّفَرِ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ! فبكى معاويةُ وقال: رَحِمَ اللهُ أبا الحسن، كان والله كذلك! كيف حُزْنُكَ عليه يا ضِرَارُ؟ قال: حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَاحِدُهَا في حَجْرِهَا، هذا لفظ المحب(١).
  وفي شرح النهج أنه أخرجه عبد الله بن إسماعيل الحلبي في ذيل النهج [شرح النهج ١/ ٣٥٧]، ولفظ ابن عبد البر: قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا لَا رَجْعَةً فِيهَا؛ فَعَيْشُكِ قَصِيرُ، وخَطَرُكِ يَسِيرُ، وأَمْرُكِ حَقِيرُ. قلتُ: ونظم المعنى الشريف الرَّضِيُّ في قوله:
  عَتَبْتُ على الدُّنْيَا فَقُلْتُ إلى مَتَى ... أُكَابِدُ فَقْرًا هَمُّهُ غَيْرُ مُنْجَلِي
  أَكُلُ شَرِيفِ مِنْ عَلى جُدُودُهُ ... حَرَامٌ عليه الرِّزْقُ غَيْرُ مُحَلَّلِ
(١) مناقب الكوفي ٢/ ٥١ رقم ٥٤٠، والأمالي الخميسية ١/ ١٤٢، ونهج البلاغة ص ٣٥٦ رقم ٧٥، ومناقب آل أبي طالب ٢/ ١١٧، وحلية الأولياء ١/ ١٢٦ رقم ٢٦١.