[ذكر ورعه #]
  فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا بْنَ الْحُسَينِ رَمَيْتُكُمْ ... بِسَهُم عِنَادٍ مُنْذُ طَلَّقَنِي عَلِيْ
  وأخرج أبو الخير الحاكمي، عن عمار بن ياسر ¥، قال: قال رسول الله ÷ لعلي: إِنَّ الله تعالى قد زَيَّنَكَ بزينة لم يُزَيِّنِ العباد بزينةٍ أَحَبَّ إليه منها، وهي زينة الأبرار عند الله تعالى: الزُّهْدُ في الدنيا، وجعلك لا تَرْزَأُ مِنَ الدنيا، ولا تَرْزَأُ الدنيا مِنْكَ شَيْئًا، وَوَصَبَ لك المساكينَ فَجَعَلَكَ تَرْضَى بهم أَتْبَاعًا، وَيَرْضَوْنَ بِكَ إِمَامًا(١). قوله: (تَرْزَأَ) أي: تُصِيبُ، و (وَصَبَ) أي: أَدَامَ، ومنه قوله تعالى: {وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ}[النحل: ٥٢]. قوله:
  ٥٥ - وَالبَلاغَاتُ إِلَيْهِ تَنتهِي ... نَهْجُهُ فِيهَا يُرَى النَّهْجَ السَّوِيا
  ٥٦ - إِنْ رَقَى المِنْبَرَ يَوْمًا خَاطِبًا ... عَادَ سَحْبَانُ لَدَيْهِ بَاقِلِيا
  البيتان إشارة إلى ما أعطاه الله من البلاغة، وما أجراه من ينابيع المواعظ والحكم التي اغترف منها كل واعظ وحكيم. والنهج الطريق الواضح، قاله القاموس [٢٦٦]، وفيه تَوْرِيَةٌ(٢)، وسَحْبَانُ(٣): هو سحبان وائل المشهور بالبلاغة الذي ضُرِبَتْ به الأمثال في ذلك، وهو الذي خطب من بعد العصر إلى غروب الشمس خُطْبَةً واحدة ما تلعثم في كلمة منها، ولا خرج من معنى إلى آخر.
  وأَمَّا باقل(٤) فهو ضِدُّهُ؛ مَعْرُوفُ بالعَيَاءَةِ، مشهور بالفَهَاهَةِ، وله نُكَتُ في ذلك مشهورة مسطورة، وقد جمع بينهما الأدباء كثيرًا بجامع التضاد.
  ومِنْ أَبْيَاتٍ قُلْتُهَا في مدح سيدي والدي حفظه الله:
  ولَيْسَ مثل باقل ... سخبَانُ حِيْنَ يَخْطُبُ
  فذاك عي أبكم ... عن نفسه لا يعرب
(١) الذخائر ١٠٠ عن أبي الخير الحكمي، والحلية ١/ ١١٣، وأسد الغابة ٤/ ٩٦، ومناقب آل أبي طالب ٢/ ١٠٨.
(٢) إذ ورى عن نهج البلاغة المشهور بقوله: نَهْجُهُ أي طريقه ... إلخ.
(٣) ابن زفر بن إياس الوائلي، يضرب به المثل في البيان، يقال: أخطب من سحبان، اشتهر في الجاهلية، أسلم زَمَنَ النبي ÷ ولم يلقه، وأقام في دمشق أيام معاوية، وله شعر قليل، وأخبار. الأعلام ٣/ ٧٩.
(٤) باقل الأيادي: جاهلي يضرب بِعِيَّهِ الْمَثَلُ المشهور: أعيى من باقل. الأعلام ٢/ ٤٢.