الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

ذكر بني أمية وقصدهم هدم مناقب أمير المؤمنين #

صفحة 380 - الجزء 1

  أَعْجَبُ من ذلك! فقلتُ له: يا أبت أنتَ أَفْصَحُ النَّاسِ وأَخْطَبُهُمْ فما بالي أراك أَفْصَحَ خَطِيبٍ يَوْمَ حَفْلِكَ حتى إذا مَرَرْتَ بِلَعْن هذا الرجل صِرْتَ الكَنَ عِيًّا⁣(⁣١)؟! فقال: يا بُنَيَّ إِنْ مَنْ ترى من أهل الشام وغَيْرِهِمْ لو عَلِمَتْ مِنْ فَضْلِ هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يَتْبَعْنَا منهم أَحَدٌ فَوَقَرَتْ كَلِمَتُهُ في صدري! انتهى المراد من قصته؛ فهذا من أدلة إطفائهم لنوره! وانظر لما أراد الله النُّطْفَ بعمر بن عبد العزيز، وقَطَّعَ الْمَقَالَةِ الشَّنْعَاءِ التي تُمْلَى على المنابر - أخزى الله من ابتدعها وابتدأها - انتبه لتلجلج أبيه، وسأله حتى أطلق الله من لسانه ما ذكره مِنْ كَتْمِهِمْ لِمَا خَصَّ اللهُ به وَصِيَّ رسولِهِ من الفضائل؛ حِرْصًا منهم على الملك، ونَفَاسَةً لأمير المؤمنين # على ما أعطاه الله تعالى من الشرف⁣(⁣٢). وفي شرح ابن أبي الحديد: أن معاوية كتب إلى الآفاق: أَنْ بَرِئَتِ الذِّمَّةُ ممن روى فضيلة لأبي تُرَاب⁣(⁣٣)؛ فهذا ما أشار إليه حماه الله في قوله: «زَعَمُوا أَنْ يُطْفِئُوا أَنْوَارَهُ» البيت، وصَدَقَ؛ لقد مَلَأَتْ أَنْوَارُ فضائِلِهِ الآفاق، وبَيَّضَتْ بسوادها وُجُوة الأوراق، مع مُبَالَغَةِ العِدًا في إطفائها حتى إنه تَحَامَى الْمُحَدِّثُونَ نَشْرَ فَضَائِلِهِ لكثرة الْقَادِحِينَ بذلك، ورَدِّهِمْ لحديثِ مَنْ شُهِرَ بِحُبِّ الْوَصِي الي #(⁣٤).

  ولَوْ أَنْصَفَتْ في حُكْمِهَا أُمُّ مَالِكِ ... إِذًا لَرَأَتْ تِلْكَ الْمَسَاوِي مَنَاقِبَا

  ولقد ذكر الحافظ الذهبي في التذكرة [٢/ ٦٩٩] أن المحدث الحافظ النسائي ألف كتاب خصائص أمير المؤمنين # فَأنكِرَ عليه، فاعتذر بأنه دخل دمشق فوجد المنحرفين عن أمير المؤمنين # كثيرين؛ فَأَلَّفَ الْخَصَائِصَ رِجَاءَ أَن يَهْدِيَهُمُ اللَّهُ بِهِ.

  وفي بعض المجاميع⁣(⁣٥): أن النسائي حدث بكتابه الخصائص فقيل له: هلا


(١) اللكنة عجمة في اللسان، ومثله العي.

(٢) شرح النهج ١/ ٧٧٩، وأنساب الأشراف ٧/ ١٣٧.

(٣) شرح النهج ٣/ ٥٩٥ عن المدايني في كتاب الأحداث.

(٤) يراجع في ذلك عدالة الرواة، مبحث في التشيع وأثره على الجرح والتعديل ١٧٦ - ٢٥٩ الطبعة الثانية.

(٥) في مقدمة سنن النسائي ١/هـ، وتذكرة الحفاظ ٢/ ٧٠٠.