الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأحزاب

صفحة 552 - الجزء 3

  أولا تقسم لأيتهن شئت، وتقسم لمن شئت. أو تترك تزوّج من شئت من نساء أمّتك، وتتزوّج من شئت. وعن الحسن رضى الله عنه: كان النبي ÷ إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض، لأنه إما أن يطلق، وإما أن يمسك، فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم. وإذا طلق وعزل، فإما أن يخلى المعزولة لا يبتغيها، أو يبتغيها. روى أنه أرجى منهن سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة، فكان يقسم لهنّ ما شاء كما شاء، وكانت ممن آوى إليه: عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب رضى الله عنهن أرجى خمسا وآوى أربعا. وروى أنه كان يسوّى مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة، فإنها وهبت ليلتها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك {ذلِكَ} التفويض إلى مشيئتك {أَدْنى} إلى قرّة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا، لأنه إذا سوّى بينهن في الإيواء والإرجاء والعزل والابتغاء. وارتفع التفاضل، ولم يكن لإحداهن مما تريد ومما لا تريد إلا مثل ما للأخرى. وعلمن أنّ هذا التفويض من عند الله بوحيه - اطمأنت نفوسهن وذهب التنافس والتغاير، وحصل الرضا وقرّت العيون، وسلت القلوب {وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ} فيه وعيد لمن لم ترض منهنّ بما دبر الله من ذلك وفوّض إلى مشيئة رسول الله ÷، وبعث على تواطئ قلوبهن والتصافي بينهن والتوافق على طلب رضا رسول الله ÷ وما فيه طيب نفسه. وقرئ: تقرّ أعينهنّ، بضم التاء ونصب الأعين. وتقرّ أعينهن، على البناء للمفعول {وَكانَ اللهُ عَلِيماً} بذات الصدور {حَلِيماً} لا يعاجل بالعقاب، فهو حقيق بأن يتقى ويحذر، {كُلُّهُنَ} تأكيد لنون يرضين، وقرأ ابن مسعود: ويرضين كلهن. بما آتيتهنّ. على التقديم. وقرأ: كلهن، تأكيدا ل «هن» في {آتَيْتَهُنَ}.

  {لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ٥٢}

  {لا يَحِلُ} وقرئ بالتذكير، لأنّ تأنيث الجمع غير حقيقى، وإذا جاز بغير فصل في قوله تعالى