مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في الهدى والضلال]

صفحة 108 - الجزء 1

  فتنتك: محنتك تضل بها المستحق لها معناه يعذبه، ويهدي بها التائب المتذكر معناه يثيبه، كما قال تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}⁣[التوبة: ١٢٦]، معناه: يمتحنون.

  وقوله: {إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ}⁣[النحل: ٣٧]، معناه: إن تحرص على ثوابهم قال الله سبحانه لا يثاب من يعذب لأنه لا يعذب إلا من يستحق العقاب تأديبا لنبيه ÷، والمراد منه كما قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ}⁣[الأحزاب: ١]، وقوله: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣[إبراهيم: ٤]، هذا إبلاغ منه سبحانه بالحجة على عباده أن يأمر إليهم رسولا على لسانهم لئلا تكون لهم حجة بقولهم: إنا لا نفهم قولك؛ فجعله بلسانهم مع أن ذلك لم ينجع في أهل الضلالة منهم، بل حكى عنهم أنهم قالوا: (ما نفقه كثيرا مما تقول)، ولو كان يريد ما توهمه السائل ما كان لإرساله إليهم بلسانهم معنى.

  فأما قوله: {فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣[إبراهيم: ٢٤]، فالمراد بذلك أنه لما جاء رسول الله بلسانهم وردوا عليه أمره شاء تعذيب المكذبين منهم وإثابة المصدقين وذلك مستقيم.

  وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ}⁣[الأنعام: ١٢٥]، معنى يهديه هاهنا: يوفقه ويسدده بعد قبوله الهداية الأولى، فيكون زيادة التوفيق والتسديد ثوابا، وشرح الصدر توسيعه، ومن يرد أن يضله يسلبه التوفيق والتسديد عقوبة له على فعله، يجعل صدره ضيقا حرجا تأكيدا للضيق وإلا فالضيق والحرج معناهما واحد، والعقوبة يجوز إنزالها بالمستحقين، ويجوز تقديم شيء منها في الدنيا كما فعل في المستقيمين، وكذلك الجواب في قوله تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}⁣[الأنعام: ٣٩]، معنى يضلله: يعذبه،