مسألة [في الهدى والضلال]
  وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ}[البروج: ١٠]، وتكون بمعنى الامتحان كما قال تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}[التوبة: ١٢٦]، ويكون بمعنى الصدود عن الدين والدعاء إلى الكفر، كما قال تعالى: {يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ...} الآية [الأعراف: ٢٧]، فإذا قد تقررت هذه الجملة بما لا سبيل إلى دفعه فلنذكر معنى كل آية مما ذكره على وجه الاختصار.
  أما قوله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}[النحل: ٩٣]، فالمراد بذلك يثيب من يشاء وهو لا يشاء إثابة غير المطيع، ويعذب من يشاء وهو لا يعذب إلا العاصي، وعلى ذلك يحمل قوله: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً}[البقرة: ٢٦]، معناه يعذب به كثيرا، ويثيب به كثيرا، وكذلك يكون الحال في الآخرة وإنما يعذبهم بذنوبهم، كما قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ}[العنكبوت: ٤٠]، ويثيبهم على أفعالهم، كما قال تعالى: {هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ}[الرحمن: ٦٠]، وقوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً}[الكهف: ١٧]، معناه: من أراد توفيقه وتسديده لقبوله الهداية الأولى فهو المهتدي حقا، ومن أضله عن طريق الجنة عقوبة له على عصيانه في الدنيا فلن تجد له وليا مرشدا يدله إلى الجنة ويدخله إياها.
  وقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ}[القصص: ٥٦]، إنك لا تثيب من أحببت ولكن الله يثيب من يشاء، وهو لا يشاء إثابة غير المطيع لأنه لو أثاب العاصي لكان ذلك إغراء بالمعاصي، والإغراء بالمعاصي قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح.
  وقوله: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ}[الأعراف: ١٥٥]، معنى