باب القول في التوحيد
  محدث، والكلام في موضعه كالكلام فيه، فإن احتاج إلى محدث آخر أدى إلى الانقياد بما لا نهاية له وذلك محال، وقد ثبت أنه تعالى قديم.
  فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى يستحق هذه الصفات لذاته من دون مؤثر من فاعل أو علة؟
  قلت: لأن الفاعل سواه لا يخلو إما أن يكون قديما أو محدثا، ولا يجوز أن يكون قديما لأنه لا قديم سواه تعالى على ما يأتي بيانه، ولا يجوز أن يكون محدثا؛ لأن القديم سبحانه متقدم عليه، ومن حق المؤثر أن يتقدم على ما هو مؤثّر فيه، ولا يجوز أن يستحق هذه الصفات لعلة؛ لأن العلة لا تخلو إما أن تكون معدومة أو موجودة، والموجودة لا تخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة، لا يجوز أن يستحقها لعلة معدومة لأنها معه ومعنا على سواء، فلو أوجبت له لأوجبت لنا ومعلوم خلافه، ولا يجوز أن يستحق هذه الصفات لعلة قديمة؛ لأنه لا قديم سواه على ما يأتي بيانه، ولا يجوز أن يستحقها لعلة محدثة لأن من حق العلة أن تتقدم على معلولها، فلو تقدمت عليه نقضت كونه قديما وقد ثبت قدمه، ولو تقدم عليها نقض كونها علة، فبقى أنه استحقها لذاته.
  فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يشبه الأشياء؟
  قلت: لأنه لو أشبهها لجاز عليه ما جاز عليها من التغيير والزوال والانتقال من حال إلى حال وذلك أمارات الحدوث وقد ثبت أنه تعالى قديم.
  فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى لا يرى بالأبصار؟
  قلت: لأنه لو صحت رؤيته في حال من الأحوال لرأيناه الآن؛ لأن الحواس