مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

المسألة الأولى [في العلم]

صفحة 81 - الجزء 1

  الجواب عن ذلك وبالله التوفيق: أن الزيدية بل المحصلون من فرق الأمة تعلم أن العلم الموجود فينا لا يخلو من أحد أمرين: إما أن ينتفي عن اليقين بالشك والشبهة إذا انفرد فهو الاستدلالي، وإذا لم ينتف بذلك فهو الضروري، فإن نازع السائل بالمعنى، فالمعنى موجود لكل عاقل ممن يعلم هذا التفصيل وممن لا يعلمه؛ لأن علم الإنسان بأحوال نفسه لا ينتفي مع سلامة العقل بالتشكيك، وإيراد الشبهة، حتى لو أخبرنا الغير عن نفسه مما يشككنا في شيء من حاله لبادرنا به إلى المارستان⁣(⁣١) محاذرة من استحكام العلة وغلبة الوسواس، ولو سألناه عن ذلك فقال: أمهلوني حتى أنظر وأستدل حتى تحصل المعرفة لكان الأمر كما تقدم، بخلاف الاستدلالي فإنه يقف على الاستدلال بالدليل على الوجه الصحيح، والنظر في المدلول بالفكر الثاقب الصريح، وهذان اسمان للعلم، وهو المعنى الموجود في أحدنا مقتضيا لسكون نفسه وثلج صدره إلى صحة ما اعتقده فما وقف على اختيارنا وحصل بحسب نظرنا واستدلالنا فهو الاستدلالي، وما حصل فينا لا من جهتنا فهو الضروري، فإن نازع في اللفظ إذ يبعد من العاقل النزاع في المعنى ففيه جوابان: أحدهما جملي، وهو أن هذين الاسمين اصطلاحيان من أهل العلم بعلم الكلام، ولا وجه للنزاع في الأسماء الاصطلاحية لا من قبل الشرع ولا من قبل اللغة ولا من قبل العرف، فسقط الاعتراض.

  وأما التفصيلي فإن الضرورة أصلها الضيق اضطره إلى كذا وكذا ألجأه إليه، ومنه اضطرار الحافر أي ضيقة، كما قال شاعرهم يصف حافر فرسه:

  لا ردح فيها ولا اضطرار ... ولم يقلب أرضها البيطار


(١) المارستان: دار المرضى بالفارسية، المنجد.