أخلاقه ÷
  لملكه، ولا يُحَقِّر فقيراً لفقره، يركب الفرس والبعير، والبغلة والحمار، ويردف خلفه عبده أو غيره، لا يدع أحداً يمشي خلفه يقول: «خلُّوا ظهري للملائكة»، يلبس الصوف، وينتعل المخصوف، أحب اللباس إليه الحبرة(١)، وهي من برود اليمن، فيها حمرة وبياض، خاتمه من فضة، فصه منه يلبسه في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر(٢)، وكان في يد أبي بكر ثم في يد عمر، ثم في يد عثمان، فلما كان في سنة ثلاثين سقط من يد عثمان في بئر أريس وهي على ميلين من المدينة، وكانت من أقل الآبار ماءً، فلم يدرك لها بعد ذلك قعر، ولم يقدر عثمان على استخراجه من البئر.
  قلت: وقوله: (وربما لبسه في الأيسر)، مخالف لما ورد به الأثر(٣).
  روى الحاكم في (جلاء الأبصار): بإسناده عن عائشة: «أن النبي ÷ كان يتختم في يمينه، وقبض والخاتم في يمينه»، قال: وذكر أبو عقيل السلامي في كتابه: «أن رسول الله ÷ كان يتختم في يمينه» والخلفاء الأربعة بعده، فنقلها معاوية إلى اليسار، وأخذ الناس بذلك إلى آخر أيام المروانية، فنقلها السفاح إلى اليمين إلى آخر(٤) أيام الرشيد، فنقلها إلى اليسار، وأخذ الناس بذلك.
  وروي أن عمرو بن العاص عند التحكيم، وعزل أمير المؤمنين سلها من يده اليمنى وجعلها في اليسرى، وقال: خلعت علياً كما خلعت خاتمي من يميني، وجعلتها إلى
(١) الحِبرة: كالعنبة: بُرْدٌ يمان، والجمع حِبر كعِنب، وحِبَرات بفتح الباء، (مختار الصحاح ص ١٢٠).
(٢) مقدمة البحر الزخار ص ٢١٧، وانظر بهجة المحافل ٢/ ١٨٢ - ١٨٤.
(٣) عن الخاتم والتختم ومحله انظر أنوار التمام في تتمة الاعتصام ٤/ ٤١٦ - ٤١٧، فقد أورد فيه عدداً من الأدلة في ذلك، وعزاه إلى مصادرها كالشفاء للأمير الحسين بن بدر الدين، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وأبي داود، والترمذي.
(٤) آخر، زيادة من (ب).