السيرة النبوية المنتزعة من كتاب اللآلئ المضيئة،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

الثامن: بناء قريش

صفحة 37 - الجزء 1

  شاءوا، وكان البحر قد رمى بسفينة إلى ساحل جدة لتاجر رومي، وكان نجاراً بناءً، فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش، فابتاعوا خشب السفينة، وكلموا الرومي أن يقدم معهم إلى مكة، فقدموا إلى مكة.

  قال ابن إسحاق: وكان بمكة قبطي يَعْرِفُ نجر الخشب وتسويته، فوافقهم أن يعمل لهم سقف الكعبة ويباعده، قال: وكانت حية عظيمة تخرج من بئر الكعبة التي يطرح فيها ما يهدى إلى الكعبة، فتشرف على جدار الكعبة، فلا يدنو منها أحد إلا كشت وفتحت فاها، وكانوا يهابونها، ويزعمون أنها تحفظ الكعبة وهداياها، وأن رأسها كرأس الجدي، وظهرها وبطنها أسود، وأنها أقامت فيها خمسمائة سنة، فبعث الله تعالى طائراً فاختطفها، فقالت قريش: نرجو أن الله قد رضي لنا ما أردنا، فأجمع⁣(⁣١) رأيهم على هدمها وبنائها، واقتسموا جوانبها، فكان شق الباب لبني زهرة، وبني عبد مناف، وما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم ومن انضم إليهم من قريش، وكان ظهر الكعبة لبني جمح، وبني سهم، وكان شق الحجر⁣(⁣٢) لبني عبد الدار، وبني أسد بن عبد العزى، وبني عدي بن كعب، وجمعوا الحجارة، وكان رسول الله ÷ ينقل معهم الحجارة، حتى انتهى الهدم إلى الأساس، فأفضوا إلى حجارة خضر كالأسنمة، وضربوا عليها بالمعول، فخرج برق كاد أن يخطف الأبصار، فانتهوا عند ذلك الأساس، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن، فاختصم فيه القبائل كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه، وكادوا يقتتلون على ذلك، فقال لهم أبو أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان شريفاً مطاعاً: اجعلوا الحَكَمَ بينكم فيما اختلفتم فيه، أول من يدخل من باب الصفا، فكان أول داخل رسول الله ÷ كما تقدم ذكره⁣(⁣٣)، وجعلت قريش ارتفاع الكعبة من خارجها ثمانية عشر ذراعاً، منها تسعة أذرع زائدة على ما عمره الخليل #، ونقصوا من عرضها أذرعاً من جهة الحجر؛ لقصر النفقة الحلال


(١) في (ب): وأجمع.

(٢) في (ب): الحجرة.

(٣) وانظر تأريخ الطبري ٢/ ٣٦ - ٤١.