الموقف العدل من الخلفاء الثلاثة
  أئمتنا $ وعلماءنا ¤ يغمضون شيئاً من الإغماض في هذا الباب، أعني فيما يتعلق من الحُكم في المشايخ الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، أما معاوية فإنهم يبتون فيه الحُكم بتّاً.
  ولعل هذا قد كان منهم إما لشيء من التأويل في حق الثلاثة، أو لعدم القطع بكون خطئهم في ذلك كبيرة من الكبائر يذهب معها كل ما لهم من السوابق، والعناية التامة في رفعة الإسلام، والهجرة والجهاد، أو للسلامة من ألْسِنَةِ الجهال، ونحو ذلك.
  هذا، وقد كان أمير المؤمنين علي # كثيراً ما يظهر الشكوى من اغتصابهم لأمر الخلافة، ثم التصغير لشأنه #، والتمهيد لملك معاوية وبني أمية، فمن ذلك قوله #: كما في «نهج البلاغة» [ج ١/ ٣٠ ط - دار المعرفة] من خطبته المعروفة بالشقشقية:
  (أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابنُ أبي قُحَافَةَ وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ)، إلى أن قال فيها: (فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى، وَفِي الْحَلْقِ شَجاً، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً ...)(١) إلخ.
(١) في «صحيح البخاري - ط السلطانية» (٥/ ١٤٠) رقم (٤٢٤٠ - ٤٢٤١) قول # «وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ÷ نَصِيبًا، حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ» ... الخ، وفيه أيضاً (٥/ ١٤٠) كلام علي # على المنبر - وأن الحامل له على ما صنع - أي من اعتزال الصحابة والتخلف عن أمر أبي بكر - ما ذكره بقوله: «وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا» وهو في «صحيح مسلم» (٣/ ١٣٨٠) رقم (١٧٥٩) بلفظ: «وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَحْنُ نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ÷، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ» وهو بلفظه في صحيح ابن حبان (١١/ ١٥٣) برقم (٤٨٢٣) ومسند الشاميين للطبراني (٤/ ١٩٨) رقم (٣٠٩٧) ودلائل النبوة للبيهقي (٧/ ٢٨٠).