[ذكر ما جرى بعد وفاة النبي ÷]
  وأحاطوا خلافتهم بهالة من القداسة، وأسبغوا على أنفسهم كثيراً من الألقاب الدينية، فقد كان معاوية في نظر أنصاره (خليفة الله على الأرض)، و (الأمين المأمون)، وكان ابنه يزيد (إمام المسلمين)، وكان عبد الملك بن مروان (أمين الله) و (إمام الإسلام).
  ولكي يؤكدوا هذه النظرية الأخيرة أشاعوا مذهب الجبر، فالسلطة يتم تحديدها من الله، وليس للناس فيها رأي ولا مشورة، والخليفة هو (خليفة الله) (ابتداء من عبد الملك بن مروان) وأن على الناس الاستسلام والطاعة.
  وكان زياد بن أبيه الذي عينه معاوية والياً على البصرة أول من بشر بهذا المذهب، يقول في خطبته المسماة (البتراء) التي أعلن فيها أن الله اختارهم للخلافة وأنهم يحكمون بقضائه ويعملون بإذنه: أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خوَّل لنا. فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما وُلِّينا(١).
  ولقد تبارى الشعراء في دعم هذه النظرية الثالثة وشرحها، وأعني بها (نظرية التفويض الإلهي) لبني أمية لكي يمارسوا الحكم، فهم أجدر الناس به وأقدرهم عليه؛ من ذلك: قول الأخطل لعبد الملك بن مروان [ديوان الأخطل: ص ٤٣]:
  وقد جعل الله الخلافة فيكم ... بأبيض، لا عاري الخوان ولا جدب
  ولكن رآه الله موضع حقها ... على رغم أعداء وصدادة كذب
(١) خطبة زياد حين قدم البصرة مشهورة وتدعى البتراء، في أحداث سنة (٤٥ هـ) رواها الجاحظ في كتابه البيان والتبيين (٢/ ٤٠) والزبير بن بكار في كتابه (الموفقيات) والطبري في تاريخه (٥/ ٢١٧)، وابن الأثير في الكامل (٣/ ٤٤)، وابن مسكويه في تجارب الأمم وتعاقب الهمم (٢/ ١٥) ... الخ.