شقاشق الأشجان شرح منظومة عقود المرجان،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

حقيقة القدر

صفحة 206 - الجزء 1

  لأنهم يثبتون القدر ويقولون: إن المعاصي بقضاء الله وقدره. وعندي أن السبب في ذلك أنه قد صح عند الجميع واشتهر عن النبي ÷ أنه قال: «القدرية مجوس هذه الأُمة»⁣(⁣١).


= ويزيده وضوحاً العطف الذي هو حقيقة في المغايرة، فبين الاعترافين المفهومين بـ (أبوء) فرق واضح لا يخفى، وفي (صنعت) فائدتان أيضاً، الأولى: الحكم بأن فعل العبد صناعة، والثانية: نسبة هذه الصناعة إليه، والثالثة: الاستعاذة بالله من هذه الصناعة، وهي تقرِّر ما قلناه.

ومما يحجهم أيضاً حديث أخرجه الحافظ ابن الأمير الصنعاني في كتابه إيقاظ الفكرة ص (٣٦٩) عن سعد الدين في شرح المقاصد (٣/ ١٩٧) وفيه: أن رجلاً وفد من فارس على رسول الله ÷ فسأله عن أغرب ما رأى هناك فقال: رأيت قوماً من المجوس ينكحون بناتهم وأخواتهم فيقولون: ذلك بقضاء الله وقدره. وفي هذا الخبر فائدة أخرى وهي بيان مشابهتهم للمجوس وهو صريح في ذلك، وأما آيات القرآن التي تدل على بطلان مذهبهم وخذلانهم في نبزنا بهذه التسمية فهي كثيرة بالعشرات بل المئات والله المستعان.

(١) انظر هذا الحديث في: ميزان الاعتدال (٢/ ٧٩) (٤/ ٣٣٩)، ورواه بزيادة: «فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم» في: سنن أبي داود (٤٦٩١) (٧/ ٧٧)، السنة لابن أبي عاصم (٣٣٨) (١/ ١٤٩)، المستدرك على الصحيحين (٢٨٦) (١/ ١٥٩)، السنن الكبرى للبيهقي (٢٠٨٦٩) (١٠/ ٣٤٢)، تاريخ حلب (٨/ ٣٨١٧)، تاريخ دمشق (١٩/ ٦٢)، وغيرها كثير، وقد ذكر في كتاب المغرب في ترتيب المعرب (١/ ٩٨) - وهو كتاب لغوي اعتنى فيه صاحبه بذكر الألفاظ اللغوية في كتب الأحناف - أثناء تعريف المجبرة ما لفظه: وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ، فَهُمْ: الْفِرْقَةُ الْمُجْبِرَةُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ كُلَّ الْأَمْرِ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَيَنْسِبُونَ الْقَبَائِحَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُمْ بِذَلِكَ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ فَمِنْ تَعْكِيسِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْمُثْبِتُ لَا النَّافِي، (وَمَنْ) زَعَمَ أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْقَدَرَ لِأَنْفُسِهِمْ فَكَانُوا بِهِ أَوْلَى، فَهُوَ جَاهِلٌ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا مَا رُوِيَ أَنَّهُ # قَالَ: «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» هَرَبُوا مِنْ الِاسْمِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ ارْتَكَبُوا مُسَمَّاهُ، (وَعَنْ الْحَسَنِ) عَنْ حُذَيْفَةَ ¥ أَنَّ النَّبِيَّ ÷ قَالَ: «لُعِنَت الْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُرْجِئَةُ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا، قَالَ: قِيلَ: وَمَن الْقَدَرِيَّةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ عَلَيْهِم الْمَعَاصِيَ، وَعَذَّبَهُمْ عَلَيْهَا» =