(المأمون) عبد الله بن هارون (الغوي) (ت 218 هـ)
  ثم سرد الحكاية بما يطول به الشرح؛ وإنما أردنا تبيين اشتغاله بالشرب وإعطاء هذا المال الجليل المضحكين، وأهل الشرب والمعاصي، ولعل بإزاء دار خلافته من يتضور من الجوع فلا تساغ جوعته؛ لأنا روينا عن محمد بن إبراهيم # قبل قيامه بالكُوفة أنه خرج ظاهر الكوفة فرأى عجوزاً تتبع الطريق وتلقط من الرطبة ما سقط، وتلفه في كسائها.
  فقال: يا أمَة الله ما تريدين بهذا؟
  قالت: إنِّي امرأة أرملة، ولي بنات يتائم، ولا شيءَ لنا من المعيشة إلا هذا، ألفُّه كل يوم فأرده إليهنَّ فيقتتنه.
  قال: فبكى # بكاءً شديداً، وقال: أنت والله وأمثالك تخرجنني غداً، فأقاتل حتى أُقتل(١).
  فهؤلاء أئمة الهُدى بخلاف أئمة الرَّدى.
  وروي أن المأمون ركب بدمشق يريد جبل الثلج، فمرّ ببركة عظيمة من برك بني أمية، وعلى جانبها أربع سروات، وكان الماء يدخلها سحاً، ويخرج منها، فاستحسن الموضع، ودعا برطل، وذكر بني أمية فوضع منهم وتنقّصهم، فأقبل عُلْويَّة(٢) على
(١) هداية الراغبين (١٥٢).
(٢) عُلْوِيَّةُ الْمُغنِي علي بن عبد الله بن سيف هو علوية المغني صغدي مولى لبني أمية وكان ضاربا باليسار وأوتار عوده مقلوبة البم في موضع الزير وكانت له حكاية حسنة وإشارة لطيفة طيب الصوت كثير الرواية يطرب بالغناء ويلهي بالصوت ويضحك بحكاياته وكان ترب مخارق ورفيقه منذ أيام الرشيد مات في خلافة الواثق بعث إليه ابن ماسويه بدواء مسهل ليشربه ودواء ليطلى به فشرب الطلاء واطلي بالدواء المسهل فمات، وله غناء كثير يروى عن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر أنه قال: ... ولو أخذت بالاقتصار على رجل واحد لما عدوت عُلوية؛ لأنه إن =