شقاشق الأشجان شرح منظومة عقود المرجان،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الاعتزال في عهد المأمون والمعتصم والواثق

صفحة 286 - الجزء 1

  البصرة وبغداد إلى ساحتين كبيرتين للمناظرات والجدال في العقيدة، وفي الدفاع عن الدّين الحنيف من التوحيد والعدل، والوعد والوعيد، وما يتبع ذلك من حقائق النبوة وغيرها.

  وقد كان ذلك الجدال والدفاع شاملاً لأصحاب الملل المخالفة، والنحل المختلفة، وللمجبرة والمرجئة وغيرهما من فرق الإسلام، ونازلوا الدهريين⁣(⁣١) نزالاً عنيفاً، وكذلك المانويين⁣(⁣٢) الثنويين، وقد كانت مناظراتهم لا تتوقف يوماً.


(١) قال في مغاني الأخبار في شرح أسامي رجال معاني الآثار (٣/ ٤٠٦): الدهري: نسبة إلى الدهر: ومنه الدهرية، وهم فرقتان: فرقة لا تؤمن بالله لا تعرف إلا الدهر، الذي هو مر الزمان واختلاف الليل والنهار، الذين هما محل للحوادث وظرف لمساقط الأقدار، فتنسب المكاره إليه على أنها من فعله، ولا ترى أن لهما مدبرا ومصرفا غيره، وهؤلاء الدهرية هم الذين حكى الله ø عنهم فقال: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}⁣[الجاثية: ٢٤]. وفرقة تعرف الخالق فتنزهه أن تنسب إليه المكاره فتضفيها إلى الدهر ويذمونه فيقول القائل منهم: يا خيبة القدر، ويا بؤس الدهر، إلى ما أشبه هذا من قولهم، والمراد هنا الفرقة الأولى وهي التي تتحدث عنها كتب الملل والنحل، والله أعلم بحقيقة الثانية.

(٢) قال في الملل والنحل (٢/ ٤٩): المانوية: أصحاب ماني بن فاتك الحكيم، الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور، وذلك بعد عيسى ابن مريم #. أحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح #. ولا يقول بنبوة موسى #.

حكى محمد بن هارون المعروف بأبي عيسى الوراق، وكان في الأصل مجوسيّاً عارفاً بمذاهب القوم: أن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين، أحدهما نور، والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا، ولن يزالا، وأنكر وجود شيء إلا من أصل قديم، وزعم أنهما لم يزالا قويين حساسين، داركين، سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس، والصورة والفعل، والتدبير متضادان. وفي الحيز متحاذيان، تحاذي الشخص والظل ... ثم اختلفت المانوية في المزاج وسببه، والخلاص وسببه. قال بعضهم: إن النور والظلام امتزجا بالخبط والاتفاق، لا =