شقاشق الأشجان شرح منظومة عقود المرجان،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

أسباب سقوط أكثر الأمة وتراجعهم بعد عصر الرسالة

صفحة 361 - الجزء 1

  غير أن داء الحسد والكبر غلب هذه المعرفة وهزمها في قلوبهم، فصار هذا الداء هو الآمر الناهي بلا منازع.

  وقد تحقق فعلاً ما أخبر به الرسول ÷ من قوله لأمَّته: «لتحذن حذو من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، حتى لو دخلوا جُحْر ضبِّ لدخلتموه ..»⁣(⁣١) أو كما قال.

  وأما الداء الثاني: فهو حُبُّ الدنيا، ويتمثل حب الدنيا في حب الترفع، وحب الجاه والسلطان، وحب المال، وحب الولاية والأمارة، كما قال من أشار إلى هذا المعنى بقوله:

  لئن صبرت عن فتنة المال أنفُسٌ ... فما سلمت عن فتنة النهي والأمر

  فقد مال الناس مع الدنيا إلا من عصم الله، وصارت هي القبلة التي تتوجه إليها أفئدة الخلق وأبصارهم، ومن هنا فقد اشترى معاوية من الصحابي الكبير عمرو بن العاص دينه بخراج مصر، ومن سَمُرَة بن جُنْدُب بآلاف الدراهم، واشترى البيعة ليزيد بما لا يحصى من الأموال، {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}⁣[البقرة: ٩٠]، {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}⁣[البقرة: ١٦].

  نعم، وأما الخلافة العباسية فقد صارت ألعوبة بأيدي المتغلبين من القواد


(١) رواه بلفظ قريب من هذا اللفظ: البخاري برقم (٧٣٢٠)، مسند الطيالسي (٢٢٩٢)، المعجم الكبير للطبراني (٥٩٤٣)، المستدرك على الصحيحين (١٠٦)، مسند أحمد (٨٣٤٠)، السنة لابن أبي عاصم (٧٢)، سنن ابن ماجه (٣٩٩٤) (ج ٢/ ١٣٢٢)، مسند البزار (٨٤١١)، السنة للمروزي (٤٢)، مسند أبي يعلى (٦٢٩٢) (ج ١١/ ١٨٢) صحيح ابن حبان (٦٧٠٣) (ج ١٥/ ٩٥)، الشريعة للآجري (٣٢) (ج ١/ ٣١٨)، مستخرج أبي عوانة (١١٧٠٦) (ج ٢٠/ ٣٠٥)، الجمع بين الصحيحين (١٧٥٣) (ج ٢/ ٤٣٧) وغيرها.