شرح بلاغي
  نعم، وفي هذا التعبير باب من أبواب البلاغة غير ما ذكرنا هو: الالتفات إلى الخطاب بعد الغيبة. وفي هذا الالتفات زيادة على ما ذكره علماء البلاغة من تطرية نشاط السامع ... إلخ.
  فائدة أخرى: وهي المبالغة في الذم، وذلك من حيث أن رمي المقذوف بقذائف الذم من قرب أَوْجَعُ له من رميه عن بعد.
  ٣ - الإيجاز الكريم يتبين لك ذلك فيما ذكرنا من المعاني في قوله: (يا أمَّةً).
  ٤ - من البديع في هذا الشطر نوع من أنواع الطباق، وذلك في قوله: (عَلِمَتْ وَمَا عَمِلَتْ). توضيح ذلك: أنه مثل الذي يذكر في علم البديع، وهو قوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح ٢٩]، حيث جمع بين الرَّحمة وبين المسبَّب عن نقيضها وهو الشدة، فإنها مُسَبَّبَةٌ عن الغِلْظَة التي هي نقيض الرحمة. وهاهنا كذلك، فقد جمع بين العلم وبين الْمُسَبَّبِ عن نقيضه الذي هو الجهل، فإنه سَبَبٌ لترك العمل.
  ٥ - وهذا مع ما في هاتين الكلمتين من الجناس اللفظي الذي يكسب اللفظ رونقاً وحُسناً.
  ٦ - النداء في (يا أمَّةً) يحتمل - مع ما ذكرنا - التحسر والتحزن على ما فات الأمة من الخير، ثم التفجع والتوجع وإظهار الشكوى مما ارتكبت؛ وذلك أن النداء قد يخرج عن أصله وظاهره إلى هذه المعاني المجازية؛ والدليل قوله تعالى حكاية: {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ}[الأعراف ٩٣]، إلى غير ذلك مما يشهد لما ذكرنا.
  وهذا مع ما في مَدَّةِ الياء من المناسبة لذلك.