الخوض فيما جرى من الصحابة وفيما شجر بينهم
  فنقول: لا شك أن الصحبة منقبة عظيمة، ومزية كريمة، يستحق بها من تفضَّل الله عليه بلبس جلبابها - مع الاستقامة على الدين والهدى - أرفعَ الدرجات، وأقصى الغايات، كما قدمنا ذلك في شرح مطلع القصيدة، إلا أن الأجدر بنا الرجوع عند الاختلاف في مثل ذلك إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله المجمع عليها بين الفريقين، ثم العمل على حسب مقتضى ذلك.
  وعند الرجوع إلى الكتاب نجده يقول في أصحاب أُحُدٍ الذين كان من ضمنهم أهل بدر: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}[آل عمران ١٥٢].
  ونجده سبحانه يستنكر على بعضهم - أيضاً - التراجع عن دينهم والانقلاب على أعقابهم حينما ظنوا أن رسول الله ÷ قد قُتل، فيقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران ١٤٤].
  ثم قال سبحانه وتعالى ناعياً على البعض منهم وَهْنَهم وضعفَهم عن الجهاد وجزعهم مما أصابهم في سبيل الله واستكانتهم وقلة ثباتهم وصبرهم، وأنهم لم يكونوا مثل أصحاب كثير من الأنبياء $ في ذلك، فقال سبحانه وتعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران ١٤٦].
  جاءت هذه الآيات في أصحاب أحُد وفيهم أهل بدر، ولهذا الضعف والخَوَر استنكر الله عليهم ووبخهم في آية أخرى، فقال جَلَّ شَأنهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ