شقاشق الأشجان شرح منظومة عقود المرجان،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الخوض فيما جرى من الصحابة وفيما شجر بينهم

صفحة 63 - الجزء 1

  وقد خاطب الله تعالى أهل بدر وأحد وبيعة الرضوان وسائر الصحابة فيما نَزَّل عليهم من القرآن بقوله جل شأنه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً}⁣[النساء ١٢٣]، فحسم بذلك سبحانه وتعالى طمع الطامعين، وقطع أماني المتمنين.

  وعلى ما ذكرنا يتبين أن مذهب السكوت هو الأولى بالاستنكار؛ لمخالفته وشذوذه عن أحكام القرآن، ومع شذوذ هذا المذهب ومخالفته للقرآن، فإن أهله يتشددون في التمسك به حتى جعلوه من أركان الإسلام ولوازم الإيمان، فقالوا كما ذكره ابن حجر العسقلاني في تراجم الصحابة: «إذا رأيت الرجل يتكلم فيما جرى من الصحابة من سوءٍ فاعلم أنه زنديق!»، أو كما قال⁣(⁣١).

  وأكبر من ذلك وأدهى أن يتكلم الرجل في أمر الخلفاء الثلاثة وما جرى منهم من أخذ الولاية على أهلها، أو فيما حصل من أخطاء بعضهم، أو أن يذكر معاوية، أو مروان، أو الوليد بن عُقبة، أو مَن شاكلهم، وفاعل ذلك عندهم زنديق شيعي رافضي، ماله وعرضه ودمه حلال، ولا تُقبل شهادته ولا روايته، ولا ... إلخ.

  وتجدهم مع هذا التشدد يتساهلون غاية التساهل في من يشتم ويلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب #، أو الحسن أو الحسين، وإن كانوا صحابة وقرابة، فلا يرفعون لشتمهم رأساً. ومن هنا فإنا نجد صحيح البخاري مليئاً بروايات الرجال الذين كانوا يلعنون عليّاً، ويتحاملون عليه وعلى أهل بيته غاية التحامل،


(١) القائل هو أبو زرعة الرازي كما في الإصابة (١/ ١٦٢)، ولفظه: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله ÷ فاعلم أنه زنديق. اهـ.