التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 433 - الجزء 2

  فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ٣١ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا


  (٣١) {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} {قَدْ خَسِرَ} تحقيق لوقوع الخسارة العظمى، كقوله تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} في تحقيق الرحمة العظمى، وهذه الخسارة عند بلوغهم غاية التكذيب بلقاء الله، وهي {إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ} فجأة {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} انقلبت الحال في قدر لمح البصر وانكشفت الحقيقة بمجيء الساعة، فعند ذلك قالوا: {يَا حَسْرَتَنَا} تحولوا من التكذيب بها إلى التحسر على ما فرطوا فيها.

  والحسرة: الغم الشديد، قال في (لسان العرب): «وحسر، يحسر، حسراً، وحسرة: إذا اشتدت ندامته على أمر فاته» انتهى باختصار، وقال: «والحسرة: أشد الندم حتى يبقى النادم كالحسير من الدواب الذي لا منفعة فيه» انتهى، وقولهم: {يَا حَسْرَتَنَا} كقولهم: {يَاوَيْلَنَا} فهو دعاء للحسرة والغرض تنبيه السامع، وذلك تقوية للدلالة على الحسرة وتنويه بها.

  قال الشرفي في (المصابيح): «قال أبو عبيدة: يقال فرطت في الشيء، أي ضيعته، فقوله: {فَرَّطْنَا} أي تركنا وضيعنا، وقال الزجاج: {فَرَّطْنَا} أي قدمنا العجز، جعله من قولهم: فرَط فلان إذا سبق وتقدَّم، قال الواحدي: فالتفريط عنده تقديم التقصير» انتهى، وكلام أبي عبيدة أقوى؛ لقوله تعالى: {وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ}⁣[يوسف: ٨٠] فالتفريط لا يختص بالعجز.