التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة التوبة

صفحة 234 - الجزء 3

  مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ١٧ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ


  {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} عليم بِخُبر أعمالكم كلها؛ لأنه عالم الغيب، فقوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ} إنما هو كناية عن وقوع ما يعلم الله وقوعه، مع أنه سبحانه عالم ما سيكون قبل كونه ولكنه تشبيه للتكليف بالإختبار الذي يترتب عليه تمييز الخبيث من الطيب في حقنا، وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ} بمعنى بل أحسبتم، فهو إضراب من الترغيب في الجهاد بذكر فوائده إلى ذكر حق الله فيه من الإختبار الذي يريده.

  (١٧) {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} ليس من شأن المشركين كأنه لا يتصور منهم {أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ} لأن أعمالهم حابطة لا تقبل فهي كلا عمل، فالمراد العمارة التي لها فائدة وتعد حسنة؛ ولذلك قال تعالى: {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}.

  قال الشرفي في (المصابيح): «قال الإمام الناصر - أحمد بن الهادي إلى الحق # ـ: وقد جاء في الرواية أنه لما أسر بعض رؤساء المشركين أقبل ناس من المهاجرين فعيروه بالكفر وقطيعة الرحم وعون المشركين على رسول الله ÷ وترك الإيمان والإقامة على الكفر فقال لهم: ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكروا محاسننا؟ قالوا له: وهل لكم محاسن؟ قال: نعم، إن كنتم تجاهدون في سبيل الله مع رسول الله ÷ الأعداء فنحن أفضل منكم أجراً، قالوا: وبأي شيء؟ قالوا [قال]: نعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونفك العاني، ونفادي الأسير، ونسقي الحاج، ونؤَمِّن الخائف، فأنزل الله رداً عليهم: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ..} الآية» انتهى.