التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة التوبة

صفحة 233 - الجزء 3

  أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ١٦


  {وَيَتُوبُ اللَّهُ} من بعد ذلك القتال وفوائده {عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فباب التوبة مفتوح لهم وإن قوتلوا وعذبوا بالقتال، فمن شاء الله هداه للتوبة فأسلم وتاب، وهذا دفع لتوهمهم أنها لا تقبل توبتهم لطول تمردهم وقتالهم للمسلمين وتعذيبهم قبل الهجرة ومعاداتهم لرسول الله ÷ وهمهم بإخراجه وغير ذلك من عدوانهم وظلمهم وتكذيبهم لآيات الله.

  {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} فهو عليم بما سيكون، وهو عليم بما عليه الكفار وما قد مضى منهم وبكل شيء {حَكِيمٌ} فحكمه بالقتال وتوبته من بعد على من يشاء كلُّ ذلك مطابق للحكمة.

  (١٦) {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} غير مكلفين بالقتال {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} أي تُترَكوا في حال لم يتميز المؤمن الصادق في إيمانه المجاهد في سبيله {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} جاهدوا ولم يتخذوا من الكفار {وَلِيجَةً} بطانة يتولونهم من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين.

  قال الراغب: «والوليجة: كلُّ ما يتخذه الإنسان معتمداً عليه وليس من أهله، من قولهم: فلان وليجةٌ في القوم إذا لحق بهم وليس منهم» انتهى، وقال في (الصحاح): «ووليجةُ الرجل: خاصته وبطانته» انتهى.

  فالمؤمنون الخلَّص جاهدوا وثبتوا على إيمانهم ولم ينافقوا، فكان التكليف بالجهاد لتمييزهم وإثابتهم، وإظهار فضلهم على غيرهم ممن تقاعد عن الجهاد ومن نافق، ولولا التكليف بالجهاد لكانوا في الظاهر سواء، ولم تحصل للمؤمن فضيلة الجهاد، وفضيلة التوكل والثبات عند الزلازل والخوف.