التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 340 - الجزء 4

  


  فأما ما يروى من الشفاعة لأهل الكبائر المصرين عليها فهو غير صحيح؛ لأنه مخالف لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ}⁣[البقرة: ٤٨] وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}⁣[البقرة: ١٢٣] وهذا في الشفاعة المنجية من شر ذلك اليوم، فالرواية المخالفة لذلك مردودة.

  فأما الشفاعة للمؤمنين فهي غير الشفاعة المنفية، لأنها شفاعة في زيادة نعيم إلى نعيم لا لدفع شر ذلك اليوم لأنهم آمنون بإيمانهم، لقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}⁣[سبأ: ٣٧] وقوله تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}⁣[يونس: ٦٢].

  (٨٠) {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} قال الشرفي في (المصابيح): «قال الإمام أحمد بن يحيى - يعني الناصر بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - #: وقد جاء في الرواية أنه عَنَى بـ (المدخل الصدق) مكة، يدخلها بالعز والفتح والقوة والقدرة والسلطان والحجة البالغة على جميع من عانده # {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} من مكة، يقول: لا ألقى إلا مؤمناً ولا ألقى مشركاً ولا كافراً» انتهى.

  وهذا يستقيم إذا كانت الآية مدنية ويناسبه الآية التي بعد هذه، بل وقوله: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} والراجح في السلطان: أنه التسليط على من عاداه، وقد قيل الحجة ولكن الحجة قد جاءت من أول الرسالة وهي القرآن المعجز.