التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الحج

صفحة 6 - الجزء 5

  حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ٢ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ٣


  (٢) {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} سواء كان الضمير للساعة أم لزلزلتها؛ لأن الفزع من الساعة باعتبار زلزلتها وعذاب الله؛ ولأن الفزع من زلزلتها من أجل ما يكون من أهوال القيامة، أعم من رجفة الأرض وتحطم الجبال {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} تذهل: تنسى من شدة الهول ما أرضعته كأنها ليس لها ولد، وتضع كل ذات حمل في بطنها حملها من الفزع، وهذا في أول أهوال القيامة قبل هلاك الناس من الصيحة الأولى، فأما جعله مجرد تمثيل لا حقيقة فهو بعيد لأن أسلوب الكلام لا يناسبه، وعلى هذا فزلزلة الساعة أهوالها، وقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ} أي في أول أهوال القيامة.

  وقوله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} يراهم الرائي سكارى رؤية البصر، فهم في شكل السكارى في حركاتهم بلا شعور {وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} لأن أذهانهم باقية، ولكنها متجهة إلى شيء واحد هو عذاب الله كما دل عليه قوله تعالى: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} فالخوف منه هو الذي جعل الناس سكارى، وهذا في غير المتقين، لأن الله تعالى أمر بالتقوى؛ لأن التقوى تنجيهم من الفزع الأكبر ومن العذاب، بدليل قوله تعالى: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ} فدل بقوله تعالى: {إِنَّ} على التعليل، وبدليل قوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ}⁣[الأنبياء: ١٠٣] وغيرها.