التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الشعراء

صفحة 236 - الجزء 5

  خَاضِعِينَ ٤ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ٥ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ٦ أَوَلَمْ


  ألاَ أَيُّهذا الباخع الوَجد نفسَه ... بشيء نَحَتْه عن يديه المقادر»

  انتهى المراد.

  وقوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ} لعل للتوقع من المخاطَب كقوله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ}⁣[طه: ٤٤] أو بمعنى أنك في أسفك عليهم بحيث يُظن بك أنك باخع نفسك عليهم أن لا يكونوا مؤمنين لأن الإيمان سبب نجاتهم من عذاب الله في الدنيا والآخرة، فهو لخوفه عليهم آسف عليهم {أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} قال الشرفي: «أي لامتناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا» انتهى. وهذه عادة الأنبياء أن يخافوا على قومهم عذاب يوم عظيم في أول التبليغ وقبل هلاكهم.

  (٤) {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} أي إنا تركناهم وشأنهم ليختاروا لأنفسهم الإيمان أو الكفر لنجزيهم بما يستحقون فلا تحزن لكفرهم لأنا تركناهم عليه لحكمة، ولو شئنا لقهرناهم بآية غالبة تلجئهم إلى الخضوع، وترك العناد، وإن نشأ ذلك نفعل فننزل من السماء مثل أن تنزل عليهم الملائكة ويرونهم، أو تتهاوى النجوم أو غير ذلك مما يؤدي إلى أن يضلوا له {خَاضِعِينَ} يتجلى خضوعهم في أعناقهم منكسين رؤوسهم قد مدوا أعناقهم، ونسبة الخضوع إلى الأعناق لظهوره فيها، كما نسب الخشوع إلى الأبصار في قوله تعالى: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ}⁣[القلم: ٤٣] وكما نسب إلى الوجوه وأهلها في (سورة الغاشية).