سورة الشعراء
  
  فكأنه قيل: ولو أنظرناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم الإنظار، وفائدة هذا التقدير وإضافته إلى التقدير الأول الموعظة البليغة والإنذار بسوء عاقبتهم وإن متعهم الله سنين والتمتيع هو الإمهال والإنعام مدة قصيرة واعتبرت السنين المحدودة مدة قصيرة لأنها قليل بالنسبة إلى الخلود الذي تقل في جنبه هذه الحياة الدنيا، كما قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}[الحديد: ٢٠].
  وقوله تعالى: {مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} أي العذاب، فإن عجل لهم العذاب بعد أن جاءهم ثم كشف صدق على العذاب العاجل ما كانوا يوعدون وكذا إن لم يجيء ويكشف بل جاءهم بعد التمتيع سنين لأن هذه الآيات الثلاث لا تختص بحال الإنظار بعد مجيء العذاب بل هي صالحة لكل حالة.
  فإن قيل: فكيف صح تفريعها على طلبهم الإنظار؟
  قلنا: صح لأن الإنظار إن كان سنين فليس بأكثر من تمتيعهم سنين من دون أن يأتيهم العذاب قبلها إنما جاءهم الإنذار المقرون بالدليل على صدقه، فكأنه قيل: ليس الإنظار بأكثر من تمتيعهم سنين بعد الإنذار البالغ المقرون بالحجة أفرأيت إن متعناهم إلى آخر الآيات، ومن هنا كانت هذه الآيات موعظة لهم ولكل عاقل سواء كان كافراً أم عاصياً غافلاً قد غره الإمهال.
  وحاصل معنى {مَا أَغْنَى} ما دفع سواء كان من الغِنى أم من الغَناء بفتح الغين، قال تعالى حاكياً: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ}[غافر: ٤٧] وقال تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ..}[الطور: ٤٦] ونظير استعمال (أغنى) في هذا المعنى استعمال (كفى) فيه قال تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[الحجر: ٩٥] وقال تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[الأحزاب: ٢٥] وقال تعالى: {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}[البقرة: ١٣٧].