التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة القصص

صفحة 425 - الجزء 5

  


  بالحسنة كأنَّ الناس يوم القيامة يأتون موقف الحساب بأعمالهم حاملين لها، كما قال تعالى في الكفار: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ}⁣[الأنعام: ٣١] فمن جاء الموقف أو الآخرة {بِالْحَسَنَةِ} لأنه مؤمن تقي عمل صالحاً مقبولاً {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} لأنها تضاعف له أضعافاً كثيرة {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ} في الدنيا {إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لا يزاد عليه، فعذاب كل واحد في شدته على قدر سيئاته لا يزاد عليه {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}⁣[الكهف: ٤٩].

  (٨٥) {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ} إن الله الذي فرض عليك {الْقُرْآَنَ} أوجبه عليك حتماً لتقرأه على الناس فتقيم به الحجة عليهم من حيث أنه الآية الكبرى التي يعرفون بها صدقك ولتؤمنوا به وتتبعوه، فلأنه فرض عليك هذا القول الثقيل الذي يشق عليك تبليغه إلى المكذبين بك وبه ويشق العمل بتكاليفه والاستقامة عليه {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} عظيم تنال فيه ثواب ما قمت به من تحمل ما حُمّلت ويحكم الله فيه بينك وبين المكذبين.

  وقد أبهم هنا هذا المعاد، لكن كلمة الرد تشعر بالعودة إلى أمر كان فيه وكذلك كلمة المعاد تدل على العودة، فهي العودة إلى الحياة بعد الموت والردّ إلى ما فيها من الجزاء العظيم المسبب عن فرض القرآن على رسول الله المخاطب بهذا الخطاب والموعود بهذا الوعد ليصبر على تحمل هذا الواجب ويسهل عليه لما يرجوه من المعاد ÷ قل لقومك المكذبين لك: {رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} فهو يثيبه في الآخرة {وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} فربه يجزيه؛ لأن مردنا إلى ربي فهو يحكم بيني وبينكم.