التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة القصص

صفحة 427 - الجزء 5

  


  وقوله: {بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ} دلالة على أنها نعمة عظمى قد نالها، فلا يليق به إلا المحافظة عليها والثبات على التمسك بها {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} غير مبال بالكافرين {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فهم على الباطل وأنت على الحق فلا تترك الحق وتكن من أهل الباطل، ومن فوائد النهي هذا أن يسمعه المشركون وغيرهم فيكون زاجراً لهم عن الشرك، وهو أيضاً تعبّد لرسول الله ÷ كسائر التكاليف التي يطيع فيها ربه وله فيها ثواب.

  (٨٨) {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ} لعله أعيد النهي ليرتب عليه بيان بطلان الشرك بقوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فدُعاءُ إله مع الله باطل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فالأصنام وغيرها مما يعبده المشركون كلها هالكة، وذلك من أوضح الدلالة على أنها عباد مملوكة يبقيها خالقها متى شاء ويفنيها متى شاء، فعبادتها لا تفيد عابدها شيئاً، بل هي ضر من حيث أنها باطل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} رضوانه ورحمته، فإذا عبدته وحده فزت برضوانه الدائم.

  فالوجه كناية عن الرضوان، كقول أولاد يعقوب #: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا ..} إلى قولهم: {.. يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ}⁣[يوسف: ٨ - ٩] أرادوا أن لا ينظر إلا إليهم؛ لأجل أنه يحبّهم وحدهم لا يجد من يحبه غيرهم، فالوجه كناية عن الحب؛ لأن المحب يكثر النظر إلى من يحب، فكما قال تعالى في أعدائه: {وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}⁣[آل عمران: ٧٧] أفاد في أوليائه أنه ينظر إليهم أي يحبهم ويرضى عنهم؛ ولذلك يذكر الوجه عند القرَب مثل: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}⁣[الإنسان: ٩] {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}⁣[الأنعام: ٥٢] {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}⁣[الروم: ٣٨].