التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الروم

صفحة 514 - الجزء 5

  


  ونظير استعمال (قبل) بهذا المعنى في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِهِ} استعمال (بعد) في ضده قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ}⁣[الأعراف: ١٤٨] وقال الشاعر:

  وشريت برداً ليتني ... من بعد برد كنت هامه

  وهذا استعمال لا يحتاجون فيه إلى تقدير مصدر بل كفى فيه إفادة قوله تعالى من بعد موسى أنه قد غاب عنهم وإفادة قول الشاعر من بعد برد أنه قد غاب عنه لأنه باعه، ومثله قبل قال تعالى: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى} أي ومن قبل هذا القرآن، وكذلك قبل في هذا الموضع في قوله من قبله أفاد أنه قد حصل فلا حاجة إلى تقدير قبل نزوله أو قبل إنزاله، وعلى هذا فلا تكرار في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} وقوله: {مِنْ قَبْلِهِ}.

  وأما قول الزمخشري | أنه تكرار للتأكيد فبعيد؛ لأن المحل ليس محل تأكيد لوضوح الفرق بين الحالتين قبل المطر وبعده في تسبيب القنوط وإنما يؤكد وجود القنوط عندهم من حيث أنه لم يكن ينبغي القنوط من العقلاء بعد أن قد جربوا فضل الله عليهم في الماضي فهو منهم كالمستبعد الذي يحتاج إلى تأكيد الإخبار به ومن السهو تمثيله للتكرار بقوله تعالى: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا}⁣[الحشر: ١٧] فقوله تعالى: {فِيهَا} متعلق بـ {خَالِدَيْنِ} فلا تكرار؛ لأن قوله تعالى: {أَنَّهُمَا فِي النَّارِ} لم يصرح بالخلود، نعم التكرار للتأكيد في القرآن كثير في تركيب آخر مثل ما في (سورة الرحمن) و (سورة المرسلات).

  (٥٠) {فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} حياة الأرض بعد موتها بالجدب.