التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأحزاب

صفحة 79 - الجزء 6

  اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ٢٤ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا


  والحاصل: أن الشهادة أرجح المعاني في الآية يؤكد أن المقصود الشهادة كون السياق في فضل الذين صدقوا فالشهادة هي الفضيلة أما الموت فليس فضيلة ولو كان المراد الموت على ذلك لكان مقتضى السياق أن يقول: فمنهم من قضى نحبه على ذلك كما تقول مات على ذلك فيكون مدحاً أما مات وحدها فلا.

  وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} لثباته على عهده فهو يريد أن يثبت على ما عاهد الله عليه حتى يقضي نحبه فهو ينتظر قضاء نحبه، وقوله تعالى: {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} تحقيق لثباتهم على العهد فلم يبدلوا أي تبديل، لا قليل ولا كثير بخلاف غيرهم ممن قد سارع إلى التبديل في وقعة الأحزاب في السنة الخامسة والقرآن ينزل والرسول حاضر.

  (٢٤) {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} تعليل لهذا الابتلاء العظيم للمؤمنين وغيرهم وهو تمكين الكفار وتركهم يجتمعون لقتال المسلمين جموعاً كثيرة فكان هذا ابتلاء ليجزي الله الصادقين لما عاهدوا الله عليه ثواباً عظيماً بصدقهم ويعذب المنافقين بنفاقهم وجرائمهم كلها في الآخرة عذابا عظيما، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}⁣[النساء: ١٤٥] إن شاء أن يعذبهم، وذلك إذا ماتوا على نفاقهم، فأما إن تابوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فهو لا يعذبهم، فقد بيّن تعالى ما يشاءه في (سورة النساء) [آية ١٤٥، وآية ١٤٦].