سورة الملك
  
  وقد قيل: إن الموت نفسه عرَض موجود يحلّ في الجسم محل الحياة - والله أعلم، وخلق الحياة دليل عظيم على قدرة اللّه؛ لأنه كالمشاهَد، فالحمل يكون في بطن أمه ميتاً، ثم يحييه اللّه فيتحرك ويخرج من بطن أمه حياً بعد أن كان نطفة، وهذا دليل على قدرته تعالى على إحياء الإنسان بعد الموت، كما قال تعالى: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا}[مريم: ٦٦ - ٦٧].
  {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} يفعل بكم فعل المختبر الذي يريد أن ينظر كيف تعملون، ويعلم أيكم أحسن عملاً، ولما كان الاختبار مؤقتاً لمدة محدودة يترتب عليه الجزاء الدائم كانت الحياة الأولى محدودة تنتهي بالموت والحياة الآخرة التي لا تنتهي، فصحّ أنه تعالى خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً.
  وهذا موافق لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذرايات: ٥٦] حيث أفاد أن المقصود من الحياة هو العبادة في هذه الحياة، وزاد الاختبار أيهم أفضل عبادة، وذلك أنه خلقنا ليعرضنا على رحمته، ويهيئ لنا طريق جنته بأن يدعونا إلى عبادته ويمكننا من الاستباق إلى خيراته ولكوننا في مقام الاختبار، لزم أن نكون ممكنين من الاختيار، ولزم من التمكين من الاختيار للعبادة التمكين من تركها، لأنه لو لم يكن تمكيناً من الفعل والترك، لكان إلجاءً إلى الفعل منافياً للاختيار ومنافياً لاستحقاق المدح والتعظيم وبلوغ مراتب الشرف والتكريم الذي أراده اللّه لمن عبده وعمل صالحاً واتقاه، فمن عدل عن ذلك وكفر نعمة ربه، فقد ترك ما خلق له، ولهذا قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ولم يقل: (أيكم يحسن العمل، وأيكم يسيء).