سورة الملك
  
  فإذا رأيتم ذلك وعرفتموه فاهتموا بخاصة أنفسكم لتنقذوها من عذاب محقق بسبب كفركم إن متم عليه؛ لأنه لا يجيركم منه مجير وليس من اللّه مجير، ولا ينجيكم إلا التوبة من الكفر والرجوع إلى اللّه، ومعنى {يُجِيرُ الْكَافِرِينَ} يحميهم ويدفع عنهم، كما يدفع الرجل عن جاره أو عن المستجير به.
  (٢٩) {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} {قُلْ} للكافرين الذين يكفرون بالرحمن ولا يؤمنون لله بهذا الإسلام الكريم {هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ} لأنا آمنا بقدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء وبما تدل عليه أسماؤه الحسنى وبأن بيده الملك {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} تسليماً لأمره، ورضى بقضائه، ورجاء لفضله ورحمته، فلذلك وكلنا أمورنا إليه، واتكلنا على تدبيره لشؤوننا، قال الإمام الهادي #: «يقول وعليه اتكلنا، ومعنى اتكلنا فهو عليه اعتمدنا وبه اكتفينا، لا نريد غيره، ولا نتوكل على سواه» انتهى.
  قلت: الحصر والقصر مأخوذ من تقديم الجار والمجرور {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} كقوله تعالى: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً}[الفرقان: ٤٢]. وقوله: {مُبِينٍ} يفيد: أنهم في غواية بينة كما تتبين غواية من تراه يمشي عادلاً عن الطريق في غير طريق، وذلك لوضوح الحق وصدق النذير وشهادة كلام اللّه بصدقه ومن أصدق من اللّه قيلا.
  (٣٠) {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} هذا تذكير لهم بحاجتهم إلى اللّه تعالى، كقوله: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} وهو مع هذا تخويف لهم من تعرضهم للعقوبة بتفويت مائهم عليهم وتغييبه في بطن الأرض وإبعاده عنهم، ومعنى {غَوْرًا} غائراً، ومعنى {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} فمن يأتيكم بماء ظاهر غير غائر، أي من عين ظاهرة.