التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الحاقة

صفحة 201 - الجزء 7

  


  وذلك لأن رواية: أن جبريل # رفع قراهم إلى الهوى ثم أسقطها مقلوبة لا تستقيم مع بقاء آثارهم، وقد قال تعالى: {وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}⁣[العنكبوت: ٣٥] قال في (المصابيح) في تفسيرها: «{وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا} - أي القرية - {آيَةً بَيِّنَةً} أي عبرة ظاهرة لمن يعتبر هو آثار منازلهم الخربة» انتهى، ومثله في (الكشاف).

  وقال في تفسير قول اللّه تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ۝ وَبِاللَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}⁣[الصافات: ١٣٧ - ١٣٨]: «وإنما ذكر اللّه هذه القصة ليعتبر بها مشركوا العرب ... إلى قوله: أي تمرون على منازلهم وآثارهم ..» الخ كلام (المصابيح).

  فلو كان جبريل # حمل قراهم ورفعها ثم قلبها لضاعت الدور إن كان حمل الأرض وما فيها، وإن كان حمل الدور وما فيها فذلك يؤدي إلى تغطية من فيها فلا يلحقهم المطر الذي أصابهم الذي هو عذابهم، فالأرجح: أن اللّه تعالى أرسل حاصباً من الريح أسقط أعالي بيوتهم، ورماهم هذا الحاصب بالحجارة، أو أنها أصابتهم مع ذلك رجفة مثلاً خربت دورهم وصيرت عاليها سافلها - والله أعلم.

  فظهر: أن {الْمُؤْتَفِكَاتُ} قرى أفكت إلى الباطل بضرب من الإفك الذي يؤفك عنه من أفك فانقلبت.

  وفي تفسير الشرفي (المصابيح): «عن الهادي # في قوله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى}⁣[النجم: ٥٣] المؤتفكة: المنقلبة، ومعنى {أَهْوَى} فهو أهلك وأردى» انتهى، ومعنى جاءوا {بِالْخَاطِئَةِ} أحدثوها، وهي المنكرات التي كل منها خطأ أخطأ به صاحبه وخالف الحق.