سورة الفاتحة
  
  فالدلالة على رحمته وتكرارها بالاسم والوصف في أوائل السور، فيه فائدة عظيمة، كأنه يقول: استمعوا لكلام الرحمن الرحيم لتشملكم الرحمة إذا اتبعتموه، فإنه أنزله لكم رحمة لكم.
  (٢) {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الْحَمْدُ هو المدح على الجميل الاختياري والجميل يعم الإحسان ويعم تحصيل الخير المطلوب والوقاية من الشر وإنصاف المظلوم والحكم بالحق والعدل وحيث أن نعم الله لا يحصيها العباد وما بهم من نعمة فمن الله ومن أعظم نعمه الهداية لما يرضيه ويقرّب منه ويؤدي صاحبه إلى السعادة الدائمة في جنات النعيم وحيث أن منه تعالى نعم الدنيا والدين ونعم الدنيا والآخرة التي لا تنتهي.
  فله الحمد كله وهو له، ولو كانت النعمة بواسطة بعض المخلوقين ولا يكون حمد لمخلوق إلا بإذن الله وتيسيره لفعل سببه فحمد المخلوق نعمة من الله عليه، فهو لله من حيث أنه المنعم به لم يكن إلا بنعمته وتيسيره فالله المحمود على النعمة التي بواسطة العبد قبل حمد العبد والله المحمود على حمد العبد لأنه من نعمته ولو كان حمد العبد للعبد فهو نعمة بواسطة العبد ونظير هذا الحصر قول الله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر: ٤٤] بمعنى: أن أمرها إليه وحده لا تكون إلا بإذنه ورضاه ولم يناف ذلك وقوعها من العبد.
  {رَبِّ الْعَالَمِينَ} سيّدهم، وهم كلهم له عبيد، وتعليق الحمد على الربوبية يفيد أنه تعالى محمود في ربوبيّته؛ لأنه منعم على عبيده كريم في مَلَكَتِه، أنعم عليهم وعاملهم بالحلم والرحمة، والتعريض على السعادة نعماً لا يحصونها وأعظمها إكمال العقول والدعوة إلى السعادة الأبدية وتيسير طريقها بإرسال الرسل وإنزال الكتب وغير ذلك. والعالمون جمع عالم يعم الإنس والجن والملائكة الأولين من العوالم والآخرين.