التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الفاتحة

صفحة 39 - الجزء 1

  


  (٣ - ٤) {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فمن رحمته دعوة عباده إلى ما فيه نجاتهم من النار والفوز بالجنة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} المُلك - بالضم للميم - يفيد: ولاية الأمر والنهي والتصرف فيهم بإثابة المطيع، وعقاب العاصي، وسؤالهم عما قدموا في الدنيا من الأعمال، ومحاسبتهم على الصغير والكبير، وإحضارهم في موقف الحساب لهذا الشأن، والمِلكَ - بكسر الميم - يفيد: أنهم عباده يتصرف فيهم كيف شاء.

  و {يَوْمِ الدِّينِ} يوم الجزاء، أي يوم القيامة، وإسناد المُلك - بالضم - إلى اليوم لكونه ظرفاً لما يقضي فيه ملك الملوك من جزاء، وله الملك يومئذٍ لاملك سواه ولا شريك له في ملكه، إذًا فالدين إنما هو منه يدين عباده بما قدموا في الدنيا ليس لأحد سواه.

  وهذه الآيات تفيد: أنه المستحق للعبادة، وأنه يرجى من عبادته الفائدة العظمى، كما أن هذه الآيات إذا قرعت السمع، ووقرت في القلب، توجد في النفس رغبة إلى الله ورهبة منه، وتبعث على طلب الهداية منه إلى طريق رحمته ورضوانه، وإلى ما يقرِّب لديه يوم الدين، وتدعونا إلى أن نقول:

  (٥) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأنك ربنا المحمود في ربوبيته المنعم علينا الرحيم بنا الذي له الملك علينا، يوم الجزاء الذي يجزينا بما قدمنا لا شريك لك نتوسل بعبادتك إلى رحمتك وإلى هدايتك.

  والعبادة: هي الخضوع المعبّر عن العبودية، أي أن تخضع وتَذَلَّلَ لله معبراً بذلك عن كونك عبداً له تعالى، قال تعالى: {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ ...}⁣[النساء: ١٧٢] فدل على أن العبادة تعبير عن العبودية، وقال تعالى: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ}⁣[الأنعام: ٩٤] يعني الذين عبدوهم في الدنيا، فنقول: