التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الجن

صفحة 257 - الجزء 7

  أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ٢٧ لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ٢٨


  (٢٦ - ٢٧) {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ۝ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ۝ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} أي هو أي ربي عالم الغيب، أو قوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ} نعت لقوله: {رَبِّي} {فَلَا يُظْهِرُ} فلا يطلع على غيبه أحداً، ولذلك فلا أعلم الغيب إلا ما أرسلت به.

  وقوله: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} استثناء لمن ارتضاه اللّه للرسالة؛ لأنه زكي أمين على الرسالة يبلغها ولا يقصر في تبليغها كما أمره الله.

  {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} {فَإِنَّهُ} أي فإن اللّه {يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} من الملائكة وهم الحفظة يكتبون عمله وتبليغه للرسالة كما يكتبون أعمال سائر المكلفين، وهذا تحقيق لعبودية الرسول، وتعظيم لشأن ما أرسل به، وتكريم له في النهاية حين يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَه}⁣[الحاقة: ١٩] وفيه إشارة إلى أن المستثنى من علم الغيب هو ما علمه اللّه ليبلغه إلى من أرسل إليهم، كالقيامة، والجنة، والنار، والملائكة ... وغير ذلك.

  قال الإمام الهادي # - ونعم ما قال -: «وقد يمكن ويكون - والله أعلم وأحكم - أن يكون معنى قوله: {يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} فهو ما جعل من اللّه مع من ارتضى من التوفيق والتسديد والمعونة والتأييد ما حفظه اللّه به من الزلل والخطأ وغير ذلك من الأعداء ..» إلخ.