سورة الجن
  
  بخلاف حكم القرآن، وذلك أنهم جوّزوا للأئمة الإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة بأكل الطعام المسموم مثلاً وهم يعلمون أنه مسموم، فأثبتوا حكماً مخالفاً لحكم القرآن؛ لأن اللّه تعالى يقول: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥] وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}[النساء: ٢٩].
  فقالوا: قد جاز هذا للأئمة، وتجويزه للأئمة مترتب على دعوى أنهم يعلمونه، ودعوى أنهم يعلمونه مترتب على تلك الروايات التي هي غير صحيحة، ولا يصح أن يبنى عليها حكم شرعي، فقد خالفوا القرآن لأجل تلك الرواية.
  ولو أجابوا: بأنهم لا يدعون للأئمة أنهم يعلمون ذلك بالإلهام، وأنهم إنما أثبتوه على أنه علم ورثوه عن آبائهم عن النبي ÷، وهذا لا خلاف في أنه قد يقع مثله من علم بعض الحوادث بهذه الطريقة.
  فالجواب: أنه دعوى بلا دليل؛ لأن عمدتهم في ذلك روايات غير صحيحة مؤدية إلى مخالفة القرآن كما بينا فتبطل، لأن القرآن لا يخصص بالتجويز والاحتمال، بل يدفع به التجويز والاحتمال والروايات الضعيفة؛ لأنه الحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه لقول اللّه تعالى: {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[البقرة: ٢١٣].
  والمراد أنهم خالفوا قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}[النساء: ٢٩] وقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥] فأما مخالفتهم لآيات نفي علم الغيب فإنما هو بإثبات علم الغيب بواسطة الإلهام دون التبليغ من الرسول ÷ ووصوله إليهم بالروايات من آبائهم $.