التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإنسان

صفحة 328 - الجزء 7

  


  وفي قوله تعالى: {كَانَ} {وَكَانَ} أفادت أن هذا معدّ لهم من حين كانوا في سعيهم للآخرة وهم في الدنيا، وما أحسن هذه الآية التي ختمت ذكر ما أعد اللّه للأبرار.

  (٢٣) {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً} هذا تصديق للقرآن والرسول وتحقيق للوعيد للكافرين والوعد للأبرار في هذه السورة وسائر السور، وقوله ø: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا} عبارة العظمة تشير إلى عظمته وجلاله، بما تفيده أسماؤه الحسنى من كونه {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}⁣[البقرة: ٢٠] و {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}⁣[البقرة: ٢٩] وأنه {الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}⁣[الحج: ٦٤] وأنه {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}⁣[آل عمران: ٦] وأنه {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}⁣[الفاتحة: ٣] ... إلى آخرها.

  فإذا عرفنا أنه تعالى هو الذي أنزل القرآن، بما دل عليه في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}⁣[البقرة: ٢٣] وغيرها علمنا أن هذا القرآن صدق وحق؛ لأنه كلام أصدق القائلين وأحكم الحاكمين وأن وعده ووعيده لا يتخلف؛ لأنه خبر عن الواقع لعلمه بما سيكون، فلو تخلف كان كذباً سبحانه وتعالى علواً كبيراً.

  وقوله تعالى: {عَلَيْكَ} أي يا محمد، تصديق لكونه رسولاً من اللّه أرسله بهذا القرآن، وقوله تعالى: {تَنْزِيلاً} تأكيد وتحقيق لتنزيله مفرقاً على رسول الله ÷.

  (٢٤) {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} تفريع على قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ} أي لأن ربك أنزل القرآن وأرسلك به وجعله مصدقاً لك {فَاصْبِرْ} على تحمل الرسالة والقيام بما كلفك ربك فيها وحكم به عليك من تبليغ الرسالة والثبات عليه وغيره، والصبر: هو حبس النفس على ما يشق عليها.