سورة الإنسان
  
  {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} فهو يعلم من هو أهل للهداية وتقتضي الحكمة هدايته، ومن هو أهل للخذلان وتقتضي الحكمة خذلانه {حَكِيمًا} يفعل ما هو الصواب ويقتضيه كرمه وعلمه وغناه وعزته ورحمته وعدله ويتقن أفعاله ويحسن تصرفاته ولا يكون فيها نقص ولا ما يعاب، وتقتضي حكمته الرحمة في المحل اللائق بها، والتعذيب في المحل اللائق بهن لأنه يضع الأمور مواضعها اللائقة بها، وقد قال تعالى: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: ٥٦] فدل على أنه يعذبهم لعزته وحكمته.
  (٣١) {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} بهدايته لأسبابها، أي النجاة من العذاب ودخول الجنة، قال تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ}[الأنعام: ١٦] أو {فِي رَحْمَتِهِ} في أسباب رحمته بالهداية لها والذين يشاؤهم المتقون.
  {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} الظالمون: هم المجرمون الفجار، المتعدون لحدود اللّه، المصرون الذين ماتوا قبل أن يتوبوا، وفي قوله تعالى: {أَعَدَّ} بالفعل الماضي و {يُدْخِلُ} بالفعل المضارع ما يشير إلى أن العذاب قد أعد عند خلق النار إن كانت قد خلقت، أو حين قال تعالى: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ}[هود: ١١٩] وهي كلمة العذاب، ثم خلق الإنسان فهو يختار أسبابها ويوقع نفسه فيها، كما روي عن رسول الله ÷ أنه قال: «إني آخذ بحجزكم أن تقعوا في النار وأنتم تتهافتون فيها تهافت الفراش» أو كما قال.
  فالإعداد من اللّه والظالمون هم أدخلوا أنفسهم بارتكاب أسبابها، وفي مقابلة {مَنْ يَشَاءُ} بـ (الظالمين) دلالة على أن من يشاء إدخالهم في رحمته هم المتقون، وهذا لأنه حكيم في رحمته؛ لأنها ليست رحمة الرقة التي تكون في المخلوق فتغلبه على خلاف الحكمة والصواب، ولذلك لا يرحم الظالمين بل أعد لهم عذاباً أليماً كما تقتضيه عزته وحكمته وصدق وعده ووعيده.