سورة المرسلات
  
  وجعل آيات اللّه فارقة باسم الفاعل كجعل القرآن هادياً في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: ٩] وهذا القسم بالآيات كلها بعد القسم ببعضها ناسبه عطفه بـ (الفاء) لأنها كلها تفرق بين الحق والباطل، فكلها نعم من اللّه، ودليل على الله.
  (٥ - ٦) {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} قد فسر الملقيات ذكراً بالملائكة $ وهو قريب من جهة المعنى، لكن استبعدت التعبير عنهم بالتأنيث، وقوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ}[الصافات: ١] محمول على الصفوف الصافات؛ لأن اللّه تعالى ذكرهم في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات: ١٦٥] وقوله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}[الأنبياء: ٢٦] وغيرها، ووجه استبعاد التأنيث: أن الجاهلية كانوا يسمونهم تسمية الأنثى، ورد اللّه عليهم ذلك في القرآن.
  ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن التأنيث في قوله تعالى: {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} ليس تأنيث الأفراد، بل هو تأنيث الجماعات، مثل: {وَالصَّافَّاتِ}[الصافات: ١] وأكثر ما فيه أنه يستلزم كثرة الملائكة الملقين للذكر ولا مانع من ذلك، وإن كان جبريل # أشهرهم في هذا، وقد قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ..} الآية [النحل: ٢] وحمله على أن الملقيات: هم الملائكة، هو الموافق لقوله تعالى: {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} فهو تفسير للذكر، وهو القرآن وغيره من كتب اللّه، أو من الوحي كله، فما بقي إلا أن (الملقيات ذكراً) هم الملائكة - والله أعلم.
  وقوله تعالى: {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} العذر: ما يعذر به من قدم الإخبار بإيقاعه الشر ليتأهب له السامع، وهو هنا بمعنى التقديم فقط الذي هو الوعيد،