التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المرسلات

صفحة 337 - الجزء 7

  


  يقال: «من أنذر فقد أعذر» والنذر: القول المبلغ للمخوف المحذر منه يستعمل في الكلام نفسه، قال تعالى: {إِنَّهَا لاحْدَى الْكُبَرِ ۝ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ}⁣[المدثر: ٣٥ - ٣٦].

  وقال (صاحب الصحاح): «الإنذار: الإبلاغ ولا يكون إلا في المخوف والإسم النذر، ومنه قوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}⁣[القمر: ١٦] أي إنذاري، والنذير: المنذر، والنذير: الإنذار» انتهى، فلم يذكر (النذر) جمع (نذير) ولكنه وقع في كلام الإمام الهادي # وتفسيره، وهو عربي عليم باللسان العربي، ونظيره (سرر) و (قضب) ولكن استعماله بمعنى الإسم ظاهر في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ}⁣[القمر: ٣٦] وفي قوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ}⁣[القمر: ٣٣] لأن التكذيب يعدى إلى الرسل بدون (باء) نحو: {فَكَذَّبُوا رُسُلِي}⁣[سبأ: ٤٥] ويعدى بـ (الباء) إلى الآيات نحو: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا}⁣[القمر: ٤٢].

  فإن قيل: قد فسرتم (العذر) بالتقديم للوعيد، فكيف عطف عليه (النذر) والكل (نذر)؟

  قلت: للإنذار اعتباران مختلفان، فإنذار لمن يفيده، وإنذار لمن لا ينتفع به، فإنذار من لا ينتفع به يسمى إعذاراً؛ لأنه حجة عليه وموجب لتعذيبه، فأشبه إعذار من قدم الوعيد بالبطش الذي يدفع عنه اللوم، فسمى الوعيد عذراً بمعنى حجة عليه لتعذيبه، أما إنذار من ينتفع به فهو الإنذار النافع، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ}⁣[فاطر: ١٨] {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ}⁣[يس: ١١] فخص الإنذار النافع باسم الإنذار لحصول المقصود الأصلي به والذي ينبغي أن يكون عنده، أما من لم ينتفع بالإنذار فقد صار في حقه كلا إنذار باعتبار إهماله له، فكان إنذاره أحق باسم الإعذار - والله أعلم.